رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التفكير الإيجابي والتفكير السلبي

دخل علي في المكتب وجلس أمامي .. سألته عن حالته وصحته. إنه شاب لا يزال يدرس في الجامعة, أجاب عن سؤالي بأنه بخير, لكنه يخشى من أنه قد لا يتخرج في الجامعة. حاولت أن أفهم السبب في هذا الاعتقاد، فأجاب بأن فلاناً من الأساتذة قد رسبه, حاولت أن أفهم لماذا يعتقد أن الأستاذ رسبه، وما المؤشرات التي لديه حول تعمد الأستاذ ترسيبه. كان الجواب صاعقاً بالنسبة لي, إذ أشار إلى أن الأستاذ نجح عنده طالب آخر ضعيف في نظره ـــ أو كما يعتقد.
حاولت عبثاً أن أفهمه أن الأساتذة بشكل عام لا يتعمدون ترسيب طلابهم مهما كان السبب, إذ إن الأستاذ ينظر إلى طلابه على أساس أنهم أبناؤه, لذا فهو يحرص عليهم كما يحرص على أبنائه, كما أن الأستاذ يسعده أن ينجح كل طلابه, لأن نجاح وتفوق طلابه نجاح له وتفوق له، على أن يكون النجاح والتفوق حقيقياً وليس افتراضياً, أي أن يكون الطالب قد قدم من الجهد والعمل في الواجبات والاختبارات والمناقشات ما يؤهله للنجاح, كما أردفت قائلاً: إن الجامعة فيها نظام يحفظ حقوق الطالب إن كان ادعاؤه صادقاً ولديه ما يثبت تعمد الأستاذ بخسه حقه.
بعد أن بينت للطالب ما أعتقده بشأن علاقة الأستاذ بالطالب, وأن الأساس فيها علاقة الأبوة التي يحرص الأستاذ من خلالها على الطالب أشد الحرص بهدف تعليم الطالب أحسن تعليم واكتساب المهارات الواجبة, لكن في الوقت ذاته الأستاذ لا يستطيع أن يحل محل الطالب ويقوم بالواجبات نيابة عنه. ثم أكدت على الطالب أن الفرصة أمامه ليدرس المادة وينجح فيها ويتخرج ويسهم في خدمة وطنه كغيره من الطلاب الآخرين الذين سبقوه وتجاوزوا كل المشكلات التي واجهوها أثناء مسيرتهم الدراسية.
رد الطالب بأنه لا يشعر بإمكانية نجاحه في هذه المادة, خاصة أن هذه المادة لا يدرسها إلا هذا الأستاذ, بعدها حاولت أن أعالج الموضوع من زاوية أخرى, حيث سألت الطالب: هل حاولت أن تتعرف على ذاتك بإيجابياتها وسلبياتها خلال دراستك هذه المادة؟ ففوجئت بأنه لم يعط نفسه فرصة مراجعة الذات بدلا من اتهام الأستاذ والهروب من الحقيقة وعدم القدرة على مواجهة الذات بما يمكن التوصل إليه من حقائق. الحقائق في مثل هذا الموضوع تتمثل في عدد ساعات المذاكرة, الاستعداد المسبق للمحاضرة, أداء الواجبات بالشكل المناسب, أداء الاختبار بشكل جيد, والتوسع في مواضيع المادة من مصادر عدة. المشكلة كما بدت لي أن الطالب لم يبذل الجهد الكافي والمطلوب لهذه المادة وعندما رسب لم يجد سبباً يبرر به رسوبه سوى لوم الأستاذ واعتباره السبب؛ ظناً منه أن هذا التبرير يعفيه من المسؤولية أمام زملائه وأسرته والآخرين.
هذه الحالة هي صورة من صور حالات تتكرر في المجتمعات كافة وفي مختلف الأعمار وليست حكراً على فئة أو جنس, فالبعض يجدون في لوم الآخرين أسهل طريقة لتخليص الذات من التبعات المترتبة على التقصير في أداء ما يلزم, وفي هذا راحة نفسية ولو كانت مؤقتة. إن حسن الاستبصار الحقيقي والموضوعي بالذات هو أفضل وسيلة لتحقيق الأهداف وتجاوز المشكلات التي قد يواجهها الفرد.
إن نظرة الفرد لذاته وللآخرين ذات أهمية وقيمة, ولذا فمثل هذه النظرة من الممكن أن تكون مبنية على إدراك الإيجابيات داخل الذات وكذلك الإيجابيات التي لدى الآخرين. إن التفكير الإيجابي يستوجب البحث عن المقومات الإيجابية التي لدى الفرد نفسه والانطلاق منها وتوظيفها أحسن توظيف بهدف تحقيق الهدف الذي يرغبه الفرد, هذه المقومات إن تم تحديدها ومن ثم الاستفادة منها, ستكون النتائج إيجابية للفرد حاضراً ومستقبلاً, أما إن تم إغفالها أو عدم البحث عنها والتعرف عليها فمن المؤكد أن الفرد سيستمر في الوضع غير المناسب.
التفكير الإيجابي يتضمن النظرة التفاؤلية, إضافة إلى السعي إلى معرفة ما لدى الطرف الآخر الذي تتعامل معه سواء كان أستاذاً أو زوجاً أو رئيساً في العمل, إذ إن كل فرد قد يكون لديه من الإيجابيات ما يساعد على حسن التعامل معه إن نحن أدركنا هذه الإيجابيات وسعينا إلى توظيفها والاستفادة منها, أما إن نحن نظرنا إلى السلبيات فقط وركزنا عليها, فهذا من شأنه أن يؤثر في أدائنا وإحساسنا خطأ, أننا لن نتمكن من تحقيق الهدف, لأن الطرف الآخر في نظرنا هو الذي يعوق ذلك مهما بذلنا من جهد, وهذا هو شعور الطالب الذي حضر للمساعدة.
لقد وجهنا الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ إلى الاستبصار بذواتنا والتعرف عليها ''وفي أنفسكم أفلا تبصرون'' لأن هذه الذات مملوءة بالاستعدادات والقدرات والطاقات, وإن نحن أحسنا توظيفها نجحنا وحققنا ما نريد ''إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم'', فالتغيير نحو الأفضل يستوجب البدء بتغيير الذات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي