المشكلة الإسكانية وحلول تستقطب الأموال وتولد الوظائف
من يظن أن المسكن ليس سوى مأوى لساكنيه فهو واهم بالتمام والكمال، فالمسكن له أبعاد اقتصادية وثقافية واجتماعية وصحية ونفسية وأمنية، وتتحقق هذه الأبعاد سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الوطن إذا قامت الدولة بتطوير المخططات السكنية وبناها التحتية والعلوية والأبنية وفق معايير تراعي كل تلك الأبعاد، أو إذا فرضت الدولة على المطورين، مؤسسات أو أفرادا، تطبيق تلك المعايير عند تطوير الأحياء وفق فلسفة التطوير الفردي الجزئي طويل المدة لبيعها كقطع أراض ليطور الأفراد والمؤسسات فيما بعد الأبنية بأنواعها كافة، أو عند تطوير هذه الأحياء وفق فلسفة التطوير المؤسسي الحضري الشامل محدد المدة والاستعمالات الذي يشتمل على تطوير البنى التحتية والعلوية والأبنية في زمن محدد.
مع الأسف الشديد السوق العقارية عانت اختلالات كبيرة لأسباب متعددة من جهة التنظيم والتطوير والحماية لكل عناصرها من مطورين ومشترين وممولين ووسطاء، رغم عظم حجمها وأهميتها في الاقتصاد الوطني، الأمر الذي انعكس على السوق الإسكانية، التي عادة ما تشكل نحو 70 في المائة من السوق العقارية؛ ما جعل - ومع الأسف الشديد - معظم الأحياء السكنية في بلادنا ''ورش عمل'' كما وصفها أمين منطقة الرياض، حيث يستمر بها العمل في بعضها، كما أثبت الواقع لأكثر من 50 سنة دون أن ينتهي، فيما وصفها عقاري كبير بكونها ''مستودعات بشرية '' لكونها لا تأخذ الحاجات البشرية لساكنيها، وبالتالي فهي تصلح لمستودعات تخزين أكثر من كونها تصلح لسكن بشر يريدون الحياة بأبعادها كافة.
في منطقة الرياض لم أر حيا تم تطويره ليكون حيا سكنيا يأخذ كل الأبعاد في الاعتبار إذا استثنينا الأحياء العسكرية والمجمعات السكنية المغلقة سوى حي السفارات، الذي يعتبر حيا راقيا يتمنى الجميع أن يسكنه، وكل من يدخله يرى الفرق الشاسع بينه وبين الأحياء السكنية الأخرى، حيث البنى التحتية المتكاملة والأرصفة العريضة المشجرة والمنارة وفصل الحركات الثلاث والخدمات، وغير ذلك من الحاجات الإنسانية، أيضا بعض المشاريع الأخرى كمشروع ''القصر'' الذي طورته دار الأركان جنوب الرياض يشي بفرق كبير وهو مشروع أعلنت الشركة أكثر من مرة أنها طورته وفق فلسفة التطوير الحضري الشامل محدد المدة والاستعمالات، وهو توجه يشجع عليه أمين مدينة الرياض؛ لما له من فوائد كبيرة.
ومن الواضح أن التطوير الشامل لأحياء سكنية تأخذ الأبعاد كافة عند تطويرها لم تقم به سوى هيئة تطوير الرياض في مشروع الحي الدبلوماسي، والحرس الوطني في مشروع إسكان خشم العان، ومشروع القصر في جنوب الرياض، وبالتالي فإن الأحياء السكنية التي يمكن أن تسمى أحياء سكنية وليست ورش عمل غير منتهية أو مستودعات بشرية طورتها مؤسسات قادرة فنيا وماليا وتشغيليا، أما الباقون من المطورين فهم مطورون تقليديون يطورون أراضي بيضاء إلى مخططات شبكية يستكمل شيء من بنيتها التحتية والعلوية، أما الباقي والأبنية فهي عمليات تطوير يتكفل بها من يريد بناء مسكن له أو عدة مساكن للبيع، كما تتكفل البلديات باستكمال الخدمات على مراحل طويلة.
هذه مشكلة كبيرة في القطاع الإسكاني، وهي مشكلة بدأت تهون رغم عظم أضرارها أمام المشكلة الأكبر التي أطلت برأسها بشكل ملموس عام 2005، وهي مشكلة عدم تمكن الأسر السعودية من الحصول على المسكن الملائم في الوقت المناسب من العمر، حيث انخفضت نسبة التملك بشكل كبير بعد أن عجزت آلية أرض وقرض، التي كانت فاعلة فيما سبق عن تمكين المواطنين من بناء أو شراء مساكن لهم، وهو ما عزز الطلب على التوجه للإيجار الذي ارتفع بشكل كبير نسبة إلى متوسط دخول المواطنين حتى باتت الإيجارات تلتهم نصف دخل بعض المواطنين؛ ما أدى إلى تدني مستوى معيشتهم بالمحصلة.
من يقرأ معطيات واقع السوق العقارية بشكل عام والإسكانية في بلادنا التي تعتبر وعاء استثماريا ضخما مقارنة بالأسواق العقارية المجاورة، التي يرغب مستثمروها في ضخ المليارات بها لكونها سوق طلب حقيقي ضخمة يمكن أن يصل لتصور لحل هذه المشكلة وتحويلها إلى فرصة يجب أن تغتنم بأسرع وقت ممكن لتحقيق مكاسب متعددة، إضافة إلى معالجتها، حيث يمكن، إضافة إلى تمكين المواطنين من الحصول على المسكن الملائم في الوقت المناسب، زيادة معدلات تكوين الأعمال المرتبطة بالسوق العقارية والأسواق ذات الصلة وتوليد فرص وظيفية كثيرة تسهم في معالجة مشكلة البطالة، التي هي الأخرى بدأت تؤرقنا بشكل كبير.
ختاما أقول إنه حان الوقت للتفكير في حلول ذكية تتجاوز الحلول المتعجلة التي تسهم في معالجة المشكلة الإسكانية بشكل مؤقت بالاعتماد على المصادر الذاتية للدولة لننتقل لحلول توظف كل المعطيات في بلادنا والبلاد المجاورة، بل حتى البعيدة، لتعزيز قوى السوق العقارية السعودية لتلعب دورها المهم والحيوي في معالجة المشكلات في القطاع الإسكاني لتصبح أحياؤنا أحياء تحقق جميع أبعاد المساكن، تتوافر فيها مساكن متناولة لكل فئات المجتمع بدعم من تمويل حكومي فاعل للمطورين من جهة وللمشترين من جهة أخرى.