الرعاية الصحية ومراكز الأعمال في المستشفيات الحكومية

غني عن البيان القول بأن الرعاية الصحية تُعد من الأساسيات التي تُعنى بها كل الدول على اختلاف مناهجها الاقتصادية وفلسفتها في الرعاية، إلا أنها تتفق جميعاً في تضمين دساتيرها مبادئ وأساسيات هذه الرعاية. وبالنسبة للمملكة فقد نصت المادة الحادية والثلاثين من النظام الأساسي للحكم على أن تُعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن.
كما أن النظام الصحي الصادر عام 1423هـ أكد في مادته الثالثة على مبدأ الرعاية الصحية وعناية الدولة بها، بما يكفل العيش في بيئة صحية سليمة. وحددت المادة الثانية منه بأن الهدف من النظام هو ضمان توفير الرعاية الصحية الشاملة المتكاملة لجميع السكان في المملكة بطريقة عادلة وميسرة وتنظيمها.
ومن البديهي أن المقصود بالسكان هنا هم السعوديون وغير السعوديين المقيمين على أرض المملكة، وهذا يعني ببساطة بأن جميع من في المملكة يجب أن يتمتعوا بالرعاية الصحية اللازمة، وإن اختلفت الكيفية التي يتم الحصول بموجبها على هذه الرعاية. وهذا الأمر تحدده الأنظمة المختلفة، فالنظام الصحي ـ بالنسبة للمواطنين ـ يقضي بأن توفر الدولة خدمات الرعاية الصحية للمواطنين. وحدد النظام وزارة الصحة بأنها هي الجهة المسئولة مباشرة عن توفير هذه الرعاية الصحية للمواطنين.
وبالنسبة للرعاية الصحية لغير السعوديين فهذه ينظمها نظام الضمان الصحي التعاوني الصادر عام 1420هـ، حيث تضمن هذا النظام النص على أن الهدف منه هو توفير الرعاية الصحية، وتنظيمها لجميع المقيمين غير السعوديين من العاملين وأفراد أسرهم. وقضى بأن يكون علاج المقيمين من غير السعوديين على نفقة صاحب العمل. وتضمن إنشاء جهة إشرافية قائمة على تطبيق نظام الضمان الصحي التعاوني، وهي مجلس الضمان الصحي التعاوني. وقد شمل النظام فئة السعوديين العاملين بالقطاع الخاص، حيث يتلقون الرعاية الصحية، وفقاً لنظام التأمين الصحي.
وقد سمح النظام الصحي في مادته الثالثة عشرة للمرافق الصحية الحكومية بأن تقدم خدماتها لغير السعوديين، وفقاً لنظام الضمان الصحي التعاوني. وتبعاً لذلك فقد أُنشئت مراكز الأعمال في المستشفيات الرائدة لتقديم هذه الخدمات عن طريقها. وهذه مسألة جيدة من عدة نواح، ولعل أهمها أن علاج غير السعوديين الخاضعين لنظام الضمان الصحي التعاوني في المستشفيات الحكومية لن يكون بالمجان في ظل وجود هذه المراكز. وقد يضطر غير السعوديين للعلاج في المستشفيات الحكومية في المجالات التي لا يستطيع القطاع الخاص تقديمها لعدم توافر الإمكانات لديه، ولذلك فمراكز الأعمال في المستشفيات الحكومية هي الحل الأمثل لهذه الإشكالية، ولا سيما أن الخدمات العلاجية الحكومية هي خدمات غير مفوترة.
والجانب الإيجابي الآخر هو الاستفادة من الكفاءات الطبية والبشرية لدى القطاعات الصحية الحكومية، والحفاظ على عدم تسرب هذه الكفاءات للقطاعات الصحية الخاصة مع عدم حرمانها كذلك من المساهمة في دعم وتعزيز الرعاية الصحية عن طريق التأمين الصحي، وتخفيف الأعباء عن المرافق الصحية في القطاع الخاص التي بدأت تعاني تكدس المراجعين لديها. ومن ضمن الجوانب الإيجابية الأخرى ما يتعلق بمد المرافق الصحية الحكومية بالخبرة اللازمة في التعامل مع شركات التأمين وأنظمة التأمين الصحي، تمهيداً لتعميم تجربة التأمين الصحي على المواطنين جميعاً، إذ كيف يتم تعميم هذه التجربة دون أن تكون المرافق الصحية الحكومية مهيأة لذلك؟!
ومع ذلك فلا ينبغي النظر إلى أن علاج غير السعوديين في المرافق الصحية الحكومية، سواء بسبب وجود مراكز الأعمال أو طبقاً لما تقضي به الأنظمة بأنه هو السبب في تردي جودة الخدمات الصحية الحكومية، أو أنه السبب في عدم حصول المواطنين على حقهم في الرعاية الصحية المناسبة. فنحن وفقاً لهذا التصور سنختزل المشكلة في أمور وأسباب واهية، ونغمض أعيننا عن الأسباب الحقيقة المؤثرة في الرعاية الصحية، وعلى جودة الخدمات المقدمة بشأنها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي