متطورون .. لكن تغيب عنا «الحوكمة»
في حديثنا اليوم سأتطرق إلى جانب مهم وضروري، يحتاج إليه حاليا قطاع الأعمال سواء الحكومي أو الخاص بشكل كبير؛ لمواكبة التطور المتسارع في إدارة الأعمال على المستوى العالمي، الذي يتمثل في ''الحوكمة'' المبنية على وضع وكتابة وتطبيق جميع الأسس والإجراءات والصلاحيات في كل جهاز، سواء حكوميا أو خاصا، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى ازدهار الأعمال وتنمية المكتسبات، إضافة إلى أثر هذه الحوكمة الكبير في تعزيز القدرات التنافسية داخل مختلف الكيانات والهيئات الحكومية والخاصة على تنوع تخصصاتهم.
إن الحوكمة أصبحت في الوقت الحالي ضرورة ملحة؛ لكونها تعطي محصلة نهائية في تحسين الأداء الإداري والاقتصادي والاستثماري والمالي، من خلال مجموعة من الإجراءات والعمليات، التي يتم من خلالها توجيه الهيئات أو المؤسسات والتحكم بها، بحيث يتضمن الإطار العام للحوكمة تحديد وتوزيع الحقوق والمسؤوليات على مختلف الأطراف في الهيئة أو المؤسسة من مجلس إدارة ومديري ومساهمين وغيرهم من أصحاب المصلحة، حيث تزايدت أهمية الحوكمة نتيجة لاتجاه كثير من دول العالم إلى التحول إلى النظم الاقتصادية التي يعتمد فيها بدرجة كبيرة على الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ لتحقيق معدلات مرتفعة ومتواصلة من النمو الاقتصادي.
وهنا .. يؤكد العديد من المختصين والخبراء أن تطبيق الحوكمة، سيعمل على بلورة وإرساء قواعد وإجراءات صناعة القرار في تلك الجهات، وتعزيز ثقافة المسؤولية والمساءلة من خلال وضع وتطوير نظام للقياس والتقييم يكون من خارج الجهة.. لكن ليس المهم فقط تطبيق الحوكمة، إنما أيضا الحرص على الممارسات الإيجابية لنظام حوكمة .. فقد تتشابه حوكمة القطاع العام مع حوكمة القطاع الخاص من حيث الإشراف والإدارة والتدقيق وغيرها من الجوانب، إلا أن هناك جوانب أخرى يختص بها القطاع العام كتأثره بالقوى السياسية، واتسامه بالطبيعة غير الربحية، وهدفه الجوهري والأساسي المتمثل في تحقيق المصلحة العامة.. وهنا لا بد أن تلتزم الجهات الحكومية بنشر تقرير سنوي مفصل عن أنشطتها، أسوة بالشركات المدرجة في سوق المال. لا يخفى على الجميع أن مجلس إدارة أي هيئة لقطاع عام أو خاص، يعتبر المحرك الأساسي لنظام الحوكمة، باعتبار أن مجلس الإدارة يهتم أساسا برسم السياسات العليا للأنشطة، وبالتالي حماية الحقوق، حيث إن مجلس الإدارة له السلطة العليا في شكل ومحتوى وتفاصيل التقرير السنوي للجهة، وكلما كان ذلك مفصلا بشكل أكبر، زادت شفافية المعلومات عن الجهة، ومن ثم زاد مستوى حوكمتها.. وهنا نرى أنه من الأفضل إيجاد جهة رقابية مشرفة ومتابعة لنظام الحوكمة من خارج المجلس، تهدف إلى تحقيق الشفافية والعدالة، ومنح حق مساءلة إدارة الجهة الحكومية أو الخاصة، وبالتالي تحقيق الحماية، مع مراعاة مصالح العمل والعمال، إلى جانب الحد من استغلال السلطة في غير المصلحة العامة، بما يؤدي إلى تنمية الاستثمار وتشجيع تدفقه وتنمية المدخرات وتعظيم الربحية وإتاحة فرص عمل جديدة، إلى جانب تحقق التكامل لنا.
من وجهة نظري الخاصة.. آن الأوان لحوكمة فعلية في جميع المجالات وفي القطاعين العام والخاص، فالطفرة الكبيرة التي تعيشها المملكة تحتاج إلى مواكبة من جميع الأنظمة والقوانين الفعلية، خصوصا أن المملكة تحتضن اليوم اقتصادا، يعتبر من أكبر الاقتصادات العالمية، إضافة إلى عضويتها في منظمة التجارة العالمية، وعضويتها في دول العشرين.. فلنبدأ بنشر ثقافة الحوكمة في هذين القطاعين ولنسعى إلى تطبيقها، التي ستوصلنا بتكاتف الجميع إلى مرحلة النضج القانوني والإداري، الذي يسمح بالحفاظ على الحقوق ومحاسبة المقصرين.. فالحوكمة الجيدة تساعد على جذب الاستثمارات سواء الأجنبية أو المحلية، وتساعد في الحد من هروب رؤوس الأموال، ومكافحة الفساد، الذي يدرك كل فرد منا مدى ما يمثله من إعاقة للنمو والتطور..
وأود هنا التأكيد على أن عملية الحوكمة لن تتحقق إلا إذا اعتمدنا على التعاون بين القطاعين العام والخاص؛ لخلق نظام لسوق تنافسية، إلى جانب النظر في الهياكل الاقتصادية وهياكل الأعمال التي تعزز من القدرة التنافسية للقطاع الخاص، وتجعل المنطقة أكثر جذبا للاستثمار المحلي والاستثمار الأجنبي المباشر.
وفي الختام أدعو إلى تبني ديوان المراقبة العامة، مسألة الحوكمة ومتابعتها بشكل مستمر، وذلك من خلال إنشاء إدارة متخصصة كتلك الإدارة الموجودة في هيئة سوق المال؛ كي يتحقق لدينا التكامل في الأعمال والحفاظ على مقدرات الوطن.. فالخطأ أن تكون متطورا ولا تواكب التطور.