رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


العالم يواجه مزيدا من الأزمات

لم يكن يخطر في بال أحد أن تنزلق الأحداث في بعض جمهوريات الوطن العربي إلى ما وصلت إليه اليوم، ولعلنا لا نفاجأ مستقبلا بمفاجآت خارج حدود خيالنا؛ لأن ما يجري لم يكن في حسبان المتخصصين في دراسات المستقبل, كما أنه لم يكن مدرجا في حسابات الأجهزة المتخصصة بالتنبؤات في الدول صانعة القرار السياسي الدولي, ومعها المجتمع الدولي كذلك؛ فالعالم كان يسير في خطوات ثابتة نحو نظام دولي جديد، ثم تحرير للتجارة العالمية، وسعي حثيث نحو استعادة التوازن بعد صدمات كثيرة ـــ لعل آخرها الأزمة المالية التي هزت أعتى الشركات العالمية والعابرة للحدود، حتى تكونت مجموعة العشرين لتوسيع نطاق المشاركة بهدف تفعيل الإصلاحات وضمان فاعليتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل بقي لكل هذه الجهود مكان في المنظمات الدولية بعد أن أصبحت الأخطار تفوق ما يمكن أن تقدمه أفضل الدراسات؟ وهل بقي على مائدة العمل السياسي برامج عمل تتسم بالثبات والواقعية ليجتمع عليها القادة والزعماء فيتخذون بشأنها القرارات الملائمة؟ إن أكثر الزعماء تفاؤلا ليتوقف عن اتخاذ أي خطوة حتى ينفرج الموقف وتستقر الأوضاع في البلدان المهددة بمواجهة صراعات داخلية, فالمتغيرات حادة ونتائجها بعيدة في تأثيرها ونطاقها واحتمال انتقال عدواها إلى مناطق أخرى من العالم.
وقد كانت روسيا سباقة إلى إعلان تخوفها من هذا المد واحتمال وصوله إلى دول محاذية لحدودها وإلى زمن قريب كانت جزءا من إقليمها, بل إن هذا الأسلوب في التعبير عن الطموحات فرض نفسه بقوة في دولة مثل اليابان ليس لديها تلك المبررات الموجودة في دول أخرى, فقد قامت مظاهرات غير مسبوقة تقودها منظمات كانت تكتفي بالمطالبة بخروج القواعد الأمريكية من اليابان, لكنها انتقلت إلى تنظيم مسيرات عارمة لخلق ضغوط ناجحة لتحقيق ما كانت تنادي به لسنوات دون جدوى.
ومن المؤكد أن دولا غربية مثل الولايات المتحدة ودولا أخرى في أوروبا بالذات ستعيد النظر في قراراتها المتعقلة بالسياسة الخارجية, حيث ستتولد معارضة قوية ليس في الأحزاب أو المنظمات على تنوع نشاطاتها, لكن في هذه القوى الاجتماعية الصاعدة بعيدا عن القيادة والسيطرة, حيث تخلق لذاتها تنظيما وأهدافا وإعلاما مستقلا تصنع فيه الخبر وتنقله وتوجه من خلاله الجمهور.
إن التاريخ يحكي أن أوروبا كانت ميدانا واسعا في جغرافيته، وعبر قرون عديدة، وبسبب اختلافاته الدينية والقومية والسياسية لثورات متعاقبة، أسهمت في تشكيل الوضع الراهن واستقراره, لكنه استقرار تلعب فيه عقلانية اقتسام المصالح دورا رئيسا في تثبيته لأطول فترة ممكنة, وهي مصالح سياسية واقتصادية، ظهرت إلى العلن خلافات حادة حولها بدءا من صعوبات الأوضاع المالية لبعض دول اليورو حتى تلك الاختلافات حول تحرير التجارة بين أوروبا ـــ بوصفها كتلة واحدة ـــ وأقوى منافسيها في ساحة الاقتصاد الدولي.
الذي يظهر من مجمل الأحداث أن التصدع في النظام الدولي الوليد بعد الحرب العالمية الثانية بدأ في الأطراف الأضعف والأقل قدرة على التوفيق بين السلطة والمجتمع, وهي تلك الدول التي كانت تحت اللون الأحمر بمختلف درجاته، فيما يتعلق بحقوق الإنسان والفساد وضمان تمثيل الأمة في برلمانات صحيحة تحقق تطبيق الدستور بروحه ونصوصه، وتعمل على سلامة المشاركة السياسية والفعلية للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
وإذا كانت دول متقدمة تبدو اليوم في مأمن من حراك اجتماعي شامل لعدم وجود مبررات كافية بالمقارنة بدول أخرى تعاني صراعات حادة مع شعوبها، فإن هناك من الأسباب ما يكفي لوقوع ما هو مستبعد, حيث أظهرت وثائق سرية تم الكشف عنها أن ما يجري في الخفاء لا يتفق أبدا مع المبادئ والقيم التي تمثل روح الأمة ومحور حياتها, بل يفترض أنها توجه دفة القيادة فيها, ولعل الأكاذيب السياسية وتغفيل الإعلام عن الحقائق واستبدالها بزيف من الأقاويل التي كانت خلف قرارات خاطئة ذهبت ضحيتها أرواح بريئة وكبدت الاقتصادات خسائر جمة، عملت على خلق قناعة بأن الأمة مغيبة عن قرارات السلطة التنفيذية, وأن أعضاء البرلمانات كانوا مجرد متفرجين وغير مشاركين في صناعة القرار، في حين يفترض أنهم وحدهم الذين يصنعون القرار ويتحملون مسؤولية ما ينتج عنه، وهو ما لم يكن يحدث بالفعل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي