عندما يصنع المواطن المادة الإعلامية وينشرها ..
بشكل شبه يومي تأتيني رسائل بريد إلكتروني تشتمل على مادة إعلامية أو رابط لمادة إعلامية ، نسبة كبيرة منها من صناعة المواطن المستهلك للخدمات والسلع وبعضها الآخر نشرتها أو بثتها وسائل إعلامية مستقلة جريئة يوجه المواطن لمشاهدتها، وهي مواد إعلامية معظمها ساخر وناقد ومتذمر بل إن بعضها فاضح لممارسات تؤكد نيات سيئة أو عدم تطبيق للتوجيهات والقرارات، أو قصور أو فساد أو استهتار أوازدراء، وهي بالمحصلة تؤدي بمرور الوقت لتراكم معارف في ذهني وغيري دون أن نشعر ما يؤصل لمواقف ثم سلوكيات تجاه الجهات المقدمة للخدمات والسلع سواء كانت جهات حكومية أو خاصة أو مؤسسات مجتمع مدني واتجاه الأفراد القائمين عليها، وهي مواقف وسلوكيات في الغالب لا ترضيهم بل وتفاجئهم.
مشكلة معظم المسؤولين والقائمين على هذه الجهات الحكومية أو الشركات الخاصة أو مؤسسات المجتمع المدني أنهم لم يدركوا التغيرات التي حولهم ولم يستوعبوا معنى الإعلام البديل وآثاره الكبيرة حيث بات المواطن يتمتع بأدوات إنتاج المادة الإعلامية كما يتمتع بإمكانية نشرها أو بثها من خلال وسائل متعددة لتصل وفي دقائق معدودة إلى مئات الآلاف من المواطنين في المناطق كافة لتحدث أثرا بالغا في وعيهم ومواقفهم وسلوكياتهم لما تتمتع به هذه الوسائل من مصداقية عالية لديهم مقارنة بالوسائل الإعلامية المعتادة ، التي أدرك كثيرون أنها وسائل موجهة ومسيطر عليها وتتبع سياسات تراعي فيها مصالحها ومصالح القائمين عليها وكلنا يعلم أثر الإعلان في كثير من الوسائل الإعلامية وتوجيهها لنشر ما يريد المعلن ومنعها من نشر ما لا يريد حتى وإن كانت حقائق دامغة، أما أثر المسؤولين الحكوميين فحدث ولا حرج.
أي جهاز حكومي أو مؤسسة خاصة أو مؤسسة مجتمع مدني تهدف بطريقة أو بأخرى لإيجاد تفاهم مشترك مع شرائحها المستهدفة ومع شركائها كما تهدف إلى التأثير الإيجابي فيها والإيجابي هنا من وجهة نظرها لا من وجهة نظرهم، وهي مهمة صعبة وشاقة وتستدعي معرفة عميقة وخبرات كبيرة نشأت عن ممارسات مهنية حقيقية، كما تستدعي الخروج من عالم الانطباعات والآراء الشخصية أو الجماعية المحدودة، ومن عالم المجاملات ومراعاة الخواطر إلى عالم الدراسات العلمية المنهجية الشاملة لقراءة واقع الشرائح المستهدفة الفكري وهمومهم ومنطلقات تفكيرهم وأدوات تشكيل وعيهم من وسائل وآليات ومتحدثين إلى غير ذلك من الأمور للوصول إلى أفضل مصفوفة للرسائل والمتحدثين والوسائل والآليات والأوقات لتحقيق التفاهم المشترك والأثر المنشود مع مراعاة أن هناك من يرسل لتشكيل وعي يستهدفه أيضا وقد يكون أكثر مصداقية وأفضل منهجية وأعلى فعالية.
في المقالة السابقة تحدثت عن تأطير التوقعات وإدارتها وهي قضية تستدعي قبل الشروع فيها معرفة سقف التوقعات القائم تجاه أي مؤسسة مهما كانت لدى مراجعيها وعملائها والمستفيدين من خدماتها، ومما أراه من الرسائل الإلكترونية التي تصلني ومما أراه مما ينشر على مواقع التواصل الاجتماع أو ما يسمى بالإعلام البديل أكاد أجزم بأن الفجوة بين الأغلبية العظمي من المسؤولين القائمين على المؤسسات الحكومية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني كافة والمواطنين الذين يشكل الشباب أغلبية كبيرة جدا منهم وأن التفاهم المشترك غائب وصعب المنال، وبالتالي فإن فهم توقعات المستهلكين والمستفيدين ضعيف جدا.
وبالتالي فإن هناك فجوة بين ما يطرح من الأجهزة الحكومية والمؤسسات الخاصة ومؤسسات المجتمع المدني و ما هو متوقع من المستهلكين المستفيدين بسبب الفجوة الفكرية وما يترتب عليه من اختلاف كبير في منظومة القيم والمفاهيم والمعارف الراسخة والمهارات الحياتية وهو أمر يفضي لفشل تحليلي وتشخيصي ومن ثم سلوكي من قبل المنتجين وبالتالي لرسائل ومواقف وتصرفات غير مقبولة من المستهلكين والمستفيدين، ولكي نوجد التفاهم المنشود بين الطرفين يجب أن يفهم المنتجون منظومة المستهلكين والمستفيدين من خلال تحليل مواقفهم وتصرفاتهم وتطلعاتهم في إطار فكرهم للوصول للتفاهم المشترك كبداية لكي يتمكنوا من إحداث التأثير المنشود.
وبالتالي فإن أي حملة إعلامية أو حملة تسويقية أو حتى تصريحات أو أخبار إعلامية أو حتى مظهر خارجي ينبئ بسلوك مفترض يجب أن ينطلق من فهم عميق للواقع لإدراك التوقعات أولا، ويتوافق مع المواقف والتصرفات دون تضليل أو تدليس ثانيا وإلا فإن المواطنين المستفيدين والمستهلكين سيقومون بتحرير المواد الإعلامية ونشرها أو بثها لتقرأ من قبل مئات الآلاف إن لم يكن من الملايين وبسرعة هائلة من خلال الإعلام البديل لترسخ في أذهانهم من المرة الأولى بشكل كبير فما بالنا إذا تكررت من خلال أكثر من مصدر، ولدينا أمثلة كثيرة تؤكد ذلك، حيث قام كثير من المستفيدين والمستهلكين الذين لم يقتنعوا أو لم يروا توافقا بين الأقوال والمظاهر من جهة والأفعال من جهة أخرى بإعداد مواد إعلامية ونشرها أو بثها عبر أكثر من وسيلة وآلية إعلامية حديثة فأضرت بسمعة كثير من الأجهزة والمسؤولين وشركات القطاع الخاص ومسؤوليها، بل إن الأمر أسوأ من ذلك، حيث تم إعداد هذه المواد بشكل جذاب على شكل نكات أو رقصات أو حوارات استهزائية ترسخ في الأذهان لمدة طويلة ويتم تداولها من قبل التندر.
ختاما أقول إنه إضافة لما لعبه الإعلام البديل من دور كبير في إعادة تشكيل وعي المستهلكين والمستفيدين في المجالات كافة وتعزيز مهاراتهم الفكرية والحياتية فإنه مكنهم من إنتاج المواد الإعلامية بصيغ إعلامية متعددة جذابة ومؤثرة وبالغة الأثر، وعلينا أن ندرك تطورات الوعي المجتمعي أولا بأول للتماهي معها، كما علينا أن نعترف بقوة المستهلكين والمستفيدين للسلع والخدمات في تشكيل الرأي والتأثير القوي لنعمل على تحقيق أعلى درجات التوافق بين أقوالنا ومظاهرنا وأفعالنا وإلا فإن تشوه صورة وسمعة من لا يتماهى معها ولا تتوافق أقواله مع أفعاله وما يترتب على ذلك هو المصير.