تجربة «أرامكو» .. ودستور لمشاريع ناجحة
سأبدأ حديثي اليوم بتساؤل بسيط يخطر في بال أي واحد منا على هذه الأرض الطيبة، وهو: لم لا نستفيد من التجارب الناجحة لدينا؟
تعتبر شركة أرامكو السعودية نموذجا يحتذى به ليس على المستوى المحلي، وإنما على المستوى العالمي أيضا، وذلك لما تتمتع به من تجارب ناجحة في مختلف الأصعدة التي تخوضها، سواء على مستوى أعمال النفط والغاز، أو على مستوى تنفيذ المشاريع، أو على مستوى المشاركة الاجتماعية، فلم تكن شركة أرامكو أكبر شركة نفط في العالم فحسب، ولكن كانت لها بصمة واضحة في تنمية اقتصادية كبرى، حيث نفذت عديدا من المشاريع الاجتماعية، وأسهمت في إنشاء مدارس متطورة ومستشفيات، وبنت أول سكة حديد تصل الرياض إلى المنطقة الشرقية، وتنفيذها أخيرا جامعة الملك عبد الله التي تعد من الصروح العلمية العالمية، إضافة إلى تحقيقها فرص عمل لآلاف الشباب السعودي من مختلف مناطق المملكة.
عودا على سؤالي في البداية .. إن المتتبع لهذه المشاركة من قبل شركة أرامكو السعودية في أعمال تخرج عن اختصاصاتها أحيانا، وتنفيذها لها بكل دقة، يرى مبانيها التي يزيد عمر إنشاء بعضها على 30 عاما، صامدة ولا تعاني أي مشكلات مما تعانيه نظيراتها الأخرى، على الرغم من صغر سن الأخيرة، كما يرى هذا المتتبع الأحياء التي أنشأتها الشركة لموظفيها في مدينة الظهران وغيرها من مدن المنطقة الشرقية، وما تتمتع به من بنى تحتية نفذت على أعلى المواصفات والمقاييس، وما زالت من أفضل الأحياء بالرغم أيضا من أنها نفذت قبل عدة عقود من الزمن .. كل هذا يدفعنا إلى التفكير في كيفية تنفيذ شركة أرامكو السعودية لهذه المشاريع، والآليات التي اتبعتها في هذا الشأن، وعن الكيفية الرقابية التي تقوم بها على المنفذ، حتى أصبحت جميع مشاريعها تتمتع بالجودة التي نراها في الوقت الحالي.
ما وددت طرحه بعد إلقاء بعض الضوء على هذه التجربة الناجحة بكل المقاييس لشركة أرامكو السعودية، هو مدى إمكانية نقل هذه التجربة إلى الجهات الحكومية الأخرى، من خلال تكوين لجنة حكومية خاصة تعمل على دراسة هذه التجربة وآليات تنفيذ شركة أرامكو السعودية للمشاريع، وطريقة متابعتها ومحاسبتها لمقاوليها، وصولا إلى طريقة الصرف المتبعة لديها، ومن ثم إعطاؤها الصلاحية لوضع خريطة طريق حول هذا الجانب، وعرضها على مجلس الوزراء، وبالتالي تكون هذه الخريطة دستورا لتنفيذ مشاريع الدولة وصيانتها، لتنتهجه بدورها جميع الجهات الحكومية على تنوعها ومختلف تخصصاتها.
إن شركة أرامكو هي في نهاية المطاف شركة سعودية، والسواد الأعظم من قياداتها وموظفيها هم من أبناء المملكة، والاستفادة من تجربتها ليس عيبا أو تقصيرا من الجهات الأخرى، وإنما هو سعي إلى تقديم الأفضل والاستفادة منه، ما دام أنه موجود لدينا، وأمام شواهد كثيرة على تجارب ناجحة في هذه المجالات .. ومن وجهة نظري، فإن التجارب الجيدة والناجحة في بلادنا كثيرة وموجودة على أرض الواقع.. ولكن أين المبادرة للاستفادة منها وتعميم تجربتها؟ وفي هذا الصدد أعتقد أن شركة أرامكو السعودية ستكون أول المرحبين والداعمين لهذه الفكرة، حال طرحها عليها، إن لم تكن هي التي ستتولى إعداد هذا الدستور والإشراف عليه، وتأسيس خطوة نحو مستقبل مشرق وزاهر.