رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


طرائقنا في حل المشكلات.. ما بين «ساهر» و«القدرات» (2)

تطرقت في مقال الأسبوع الماضي إلى لجوء بعض منظماتنا لأنصاف الحلول أو ما تسمى بالحلول المعلبة عند معالجة بعض مشاكلها، وضربت اختبار ''القدرات'' كمثال. وأريد في هذا المقال أن أدعم وجهة نظري بمثال آخر من واقعنا، ألا وهو نظام ''ساهر''.
ظهر لنا نظام ساهر دون مقدمات ودون دراسة للمشكلة الرئيسة ودون التعرف على الأسباب التي أدت إلى تفاقمها والآليات التي تعامل بها غيرنا مع حوادث السير، وقد اعتقد البعض أن ''ساهر'' هو اليد السحرية التي ستقضي على كوارث السير في بلادنا وتعيد الأمن إلى شوارعنا ومدننا، ولكن هذا لم يتحقق، ولا أظنه سيتحقق، لعدة أسباب، منها:
1. نظام ''ساهر'' يتعامل مع المشكلة بسطحية، فالمخالفات المرورية التي يدفعها المتهورون وغير المتهورين لا تعكس أبدا إيجابيات ''ساهر''، لأن نظام السير في بلادنا بشكل عام تشكل بطريقة عشوائية، ومن أهم مكوناته طريقتنا في قيادة المركبات والكيفية التي تعلمنا فيها القيادة. المواطنون السعوديون لم يتعلموا قيادة المركبات في مدارس قيادة رسمية، ولا يعلمون من فن، وعلم، وأخلاقيات قيادة المركبات شيئا يذكر. من منا تعلم في مدرسة تعليم القيادة كما يفعل كل شعوب الأرض؟ أظنها نسبة بسيطة تكاد تكون معدومة، فالجميع ــــ ومنهم أنا ـــ تعلمنا القيادة في شوارع المدن وارتكبنا عدة حوادث ما بين بسيطة وشنيعة، ومن كُتب له النجاة تقدم للحصول على رخصة قيادة بعد بلوغه السن القانونية. وهذا الوضع الشاذ يخالف ما تسير عليه غالبية دول العالم. يبذل مواطنو تلك الدول المبالغ الباهظة والأوقات الثمينة كي يمارسوا ويتعلموا كيفية قيادة المركبات في معاهد خاصة يتعلمون فيها لوائح المرور، والإشارات، وفك رموز الخطوط الأرضية، وطريقة التعامل مع المركبة في عدة أوضاع.
2. ليس هناك نظام مرور في العالم حسب علمي ــــ وإن كنت مخطئا فصوبوني ـــ يسمح للأطفال بقيادة السيارات كما يسمح به نظام المرور السعودي، فهناك سن قانونية تمثل الحد الأدنى لبداية قيادة السيارة، ولا يسمح لأي مواطن لم يبلغ السن القانونية بأن يقود السيارة مهما كانت مهارته القيادية ومهما كانت وجاهته الاجتماعية. وهذا عكس ما يحدث في بلادنا، فالصبية الأغرار والأطفال السذج أبناء الفقراء قبل أبناء الأغنياء، وأبناء الأميين قبل أبناء المتعلمين ـــ الأمر في ذلك سواسية ـــ نراهم يجوبون أطوال المدن وعرضها يحملون أقرانهم وأهليهم ويراهم رجل المرور فلا يحرك ساكنا حتى أصبح الأمر أحد الأعراف المرورية في غالبية مدننا. وإنك لترى الطفل لم يكمل المرحلة الابتدائية يمتطي سيارة فارهة بسرعة هائلة أمرا مألوفا حتى أصبحت قيادة السيارات في بلادنا جهادا ومعاناة بدل أن تكون متعة وحضارة.
3. جميع دول العالم المتقدمة، والنامية، والأقل نموا، تطبق أنظمة السلامة المرورية بحذافيرها، إلا نظامنا المروري، فإنه يتحاشى التطبيق ويتعامل مع هذا الأمر على استحياء، لدرجة أن هيبة رجل المرور قد اهتزت وقد يتطاول عليه البعض بحجة عدم تأهيله تارة، وبحجة تحاشيه تطبيق العدالة تارة أخرى.
4. قُدم نظام ''ساهر'' وكأنه بديل عن رجل المرور، فأصبحت الكاميرات تراقب، وتحلل، وتسجل المخالفات، وهو ليس كذلك، فـ ''ساهر'' لا يعد بديلا، بل مكملا وداعما للنظام التقليدي للمرور، وهو يناسب الدول القادرة على ممارسة عمل المرور التقليدي. كما أن هناك مشكلة أخرى لم تظهر بعد. فماذا لو تعطل نظام ''ساهر''؟ أو استطاع البعض تعطيله؟ وأظنهم قادرون، كيف ستتم إدارة حركة المرور، هل سنعود إلى نداءات رجال المرور بمكبرات الصوت، خصوصا أننا دولة نستورد كل شيء من التقنية إلى الأغذية؟
هذه عدة أسباب أراها جوهرية تعزز من إمكانية إخفاق ''ساهر''. إلا أنني أرى أن التغلب على حوادث السيارات ليس بالأمر العسير، ولا بالمهمة المستعصية، إذا نحن اتبعنا الطرق والمعايير العالمية في التعامل مع أنظمة السير. الأمر فقط يحتاج إلى جهاز مروري قوي يتبع أعلى سلطة في البلد يطبق لوائح المرور بلا استثناء. فيمكن أن يستثنى بعض المواطنين من بعض اللوائح والقوانين في أي مصلحة، إلا قانون المرور، فيجب ألا يُستثنى منه أحد.
كما أن هناك مقومات في بلادنا قد تكون غير متوافرة في كثير من بلاد العالم تساعد على خفض حوادث المرور، منها: الطرق المعبدة، فبلادنا تمتلك شبكة طرق معبدة من أحدث وأرقى ما توصل إليه العالم داخل المدن وخارجها وصل بعضها إلى القرى والهجر. ويجبى إلينا أحدث وأرقى أنواع المركبات. وهذه مقومات تساعد على خفض حوادث المرور والسيطرة على حركة السير إذا طبقنا قوانين المرور بكل دقة على جميع المواطنين دون استثناء. أما أن نلجأ إلى الحلول المؤقتة والمعلبة فلا أظنه سيحل المشكلة بل سيفاقمها وسيواجه بصد من الناس، خصوصا إذا كان المواطن يتوقع أنه برنامج يستغل مشكلة واضحة المعالم ليس بهدف معالجتها بل لجني أرباح.
لذا يجب قبل البدء باتخاذ مثل هذه القرارات أن نراعي عدة أمور أراها على درجة كبيرة من الأهمية تحتاج منا إلى تفصيل نُرجئ مناقشته إلى مقال قادم ـــ بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي