لنجرب قياس مستوى الخدمات الصحية بسؤال النخـب
نحاول أن نجتهد في العمل يوميا، لكن لا نعرف ما إذا كنا نقدم ما يشفع لنا في الغد ولأجيال الغد، عندما يراجعون ما اعتبرناه مكاسب أو تفاديناه كخسائر وقدمناه كحلول بمعايير اليوم. في العادة تحرص المجتمعات الواعية والمثقفة على تبادل المعلومات والآراء مع مقدم الخدمة والمسؤول بهدف الإجادة والتحسين والتطوير واستفادة أكبر مما يتوافر. فيكون في أي نشاط يتعلق بخدمة الإنسان لبني البشر أمثاله يتم استفتاء واستقصاء آراء المعنيين بها من مستفيدين ومقدمي خدمة ومساندين بطريقة غير مباشرة لعاد الرأي إجمالا بطلب تعديل القائم ليوائم فئة، وقد يخدم أخرى ولا يتوافق وخواص فئة ثالثة. هذا بالتالي يؤسس لتخطيط أشمل وتنفيذ أفضل وتعاون مثمر ومتقن. ولكن هل نحن نقوم بذلك؟، وهل يعي الفرد منا أنه يمكن أن يكون في موقع هذا المسؤول وبالتالي يعي المسؤول أنه كان فردا عاديا وسيكون له أبناء مثلما كان مستفيدا عاما من المجتمع؟ لن نطالب بانطلاقات صاروخية، لكن في الوقت نفسه لن نقبل بزحف السلحفاة. إذاً لا بد أن نكون بين ذلك ليكون البناء مؤسسا على قاعدة صلبة ومصانا لأمد بعيد - باذن الله.
لقد قامت كثير من الجهات المقدمة للخدمات الصحية في المملكة بتقصي آراء المستفيدين من المرضى أو الأصحاء (دون تحديد مستوى معيشة الفرد في الكثير من هذ المسوحات) عن الخدمات الصحية المقدمة في مراكز الرعاية الصحية الأولية أو المستشفيات. ولقد كان الاستقصاء لشريحة من العامة لجعل الانطباع مؤشرا لمتوسط ما يمكن استشفافه من رأي المجتمع في الخدمات المقدمة لهم. قد تكون التغذية والتدخين أكثر ما شمل في العينات فئات مختلفة من المجتمع، وبالتالي بدأنا نرى انعكاس ذلك على الصناعة والخدمة والتأهيل في بعض المحتوى الأكاديمي. فكان لرسائل الهيئات والجمعيات تأثير بدأنا نتلمسه في بعض الفئات وما زال أمامنا الكثير، حيث إن الخدمات الصحية تختلف بين وقائية وعلاجية ولا بد أن يسلط الضوء على مقدمي الخدمة والمهتمين بها. ما أود طرحه هنا: هل يمكن الآن قياس مستوى ما يقدم من خدمات صحية من وجهة نظر النخب والفئات المثقفة؟. قد يستغرب البعض هذا التوجه، ولكن فوائد هذا الاستفتاء (إذا كان صادقا وأمينا) تعود على المسؤولين بالشيء الكثير، حيث إن قراراتهم لن تكون بعد الآن لمجرد توفير تغطية صحية بقدر ما يكون تقديم خدمات نوعية. في بعض الدول خرجت بعض الدراسات لتدلل على أن انطباع النخب يوجه بعض القرارات التي عادت على النظام الصحي بالشيء المفيد، ولقد نوقشت بشكل علمي فكانت النتائج تخطي مراحل وتفادي منعطفات حتى على مستوى الإعداد والتأهيل.
في بعض الدراسات وجد أن النخب تركز على تعدد الخدمات ونوعيتها عوضا عن تكلفتها أو قيمتها أو مدى التجهيز المناسب لكل مرفق أو لكل خدمة أو توزيعها. فكان تشعب التخصصات موفرا لمؤهلين ناقشوا جوانب أضفت على الخدمة التخصصية الكثير من الإيجابية. كما ركزت هذه الفئات على التطور التقني لتحري الدقة واختزال المساحات والإسراع في إصدار النتائج فكان أن تعدلت كثير من القرارات وتطورت صناعات وتقدمت بعض الجهات بأفكار مساندة جعلت من أعداد المنشغلين في هذا المجال يتزايدون وعلى مستوى العالم. في محور آخر تمكن بعض الممارسين والأطباء المميزين في تخصصات الطب المختلفة من الاستفادة من تقدم علاجي مثير رصد في أحد التخصصات ليتم تبني هذا الإبداع في علاج حالات أخرى أو إصابات كانت تنتظر حلولا لها منذ زمن بعيد. ثم أيضا تصاعدت تساؤلات تخصصية دقيقة وأخرى اقتصادية لم تكن لتبرز لولا أن مستوى وعي المستفيد كان محفزا لذلك. فكان للخلفية الاجتماعية ووسط العمل تأثير في كيف ومتى يمكن التدخل في هذه الحالات أو القيام بالاستثمار في صناعة لمدى طويل.
من ذلك كله وغيره من المستجدات يمكن أن نخرج بنتائج إيجابية لتساؤلات مثل هذه حيث؛ سنحدد مدى الكفاية أو الوصول للرضى عن هذه الخدمات وفي أي جهة. أيضا ستتوافر تحاليل علمية كمية ونوعية عن مَواطن القصور وكيفية تخطي العقبات بأقل التكاليف البشرية أولا، ثم المادية بنوعيها والزمنية. كما يمكن أن نضع أيدينا على الأولويات التي يجب أن تتغير بناءً على مستجدات العصر من سلوكيات أو استخدام لأجهزة خطرة على الصحة أو تناول أغذية أو التواجد في مواقع غير مناسبة صحيا أو ما إلى ذلك من ظروف. من ناحية أخرى، قد تَقرِن بعض الإجابات بين سلامة أساليب العمل ونموذجية الإعداد والتأهيل لمقدمي الخدمة حسب الأصول العلمية الصحيحة مهما تغيرت المدارس. كما أننا سنكسب مجموعة من جامعي البيانات الذين اختلطوا بذوي الفكر والرأي والمتمرسين في البحث والإدارة والشأن الاقتصادي والعلمي... إلخ، ممن يعول عليهم نشر ثقافات مختلفة في أوساطهم وغيرها. هذا بالتالي سيجعلنا نجمع بين المؤسسات التعليمية وهيئة التخصصات الصحية ومجلس الخدمات الصحية والجهات المقدمة للخدمة للجلوس على طاولة واحدة لنحدد ماهية التخصصات المطلوب الاستمرار فيها وبأي كيفية ميدانيا. وسنساعد اصحاب القرار في التوصل لمنظومة حلول لمشكلات يستطيع المجتمع بأكمله استيعابها ومن ثم تخطيها خلال السنوات العشر المقبلة ابتداءً من الآن، والله المستعان.