رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


نغمات الجوال وليلة سقوط بغداد

ليلة سقوط بغداد فيلم مصري أحد أبطاله الفنان المصري حسن حسني، الذي يقوم بدور والد لفتاة جميلة يشترط لزواجها أن يكون زوجها من الشباب الذين يتميزون بالذكاء والعبقرية، الذي يمكنه أن يخترع شيئاً مميزا يساعد مصر على هزيمة أعدائها. ووجد الوالد ضالته في شاب اسمه طارق تتحقق فيه الشروط التي يرغبها الوالد في زوج ابنته، حيث يتميز الشاب طارق بالعبقرية، وعرض الوالد على ابنته الزواج من طارق, الذي لم يكن على مستوى من الوسامة، وفي البداية ترددت الابنة لكن إصرار والدها جعلها تستجيب في نهاية الأمر لهذا الطلب, وتزوجته على شرط أن يعمل عملاً مميزا تستفيد منه مصر بكاملها في أمنها القومي.
يحدث الزواج، ويبدأ طارق في أبحاثه وتجاربه من أجل الوفاء بعهده بإيجاد إنجاز مميز يخدم به وطنه مصر نزولاً عند رغبة والد الفتاة الذي جعل هذا شرطاً للزواج. الأبحاث والتجارب لطارق أسفرت عن التوصل لسلاح فتاك يمكن أن يحمي مصر ضد أعدائها. ويبدأ طارق بعد التأكد من نجاح اختراعه مع والد زوجته بعرض اختراعه على الشركات ورجال الأعمال بهدف تمويل الاختراع وتصنيعه وإنتاجه ليكون جاهزاً للاستخدام بما يخدم مصلحة مصر في أمنها القومي ضد أعدائها. وقد وجد رفضاً من رجال الأعمال والشركات لتمويل المشروع، بل إن أحد رجال الأعمال قال لا يمكن تمويل مخترع ذي طبيعة عسكرية لأن ذلك يعرض تجارته وأعماله للضرر من الغرب، وقد تجمد أرصدته فيما لو قام بهذا العمل, لكن من الأفضل أن يكون المشروع ألعابا ترفيهية، وأغاني ونغمات جوال, حيث سيكون لهذه المنتجات ربح وطلب شديد في السوق المحلية.
في هذه الأثناء يحضر لطارق رجلان من رجال وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA يعرضان عليه المغريات كافة بغرض شراء المخترع، وبهدف انتقاله إلى أمريكا ليعمل هناك، وذلك بهدف إجهاض المخترع حتى لا يتم تصنيعه في مصر، لكن طارق يرفض العرض ويصر على أن يكون التصنيع محليا, لكنه برفض أبناء الوطن وشركاته تمويل المشروع يجد نفسه محبطاً رغم أهمية المخترع للأمن القومي المصري، ومع هذا الوضع يرفض العرض الأمريكي.
تذكرت هذا الفيلم وأحداثه وأنا أتابع الأحداث الجارية في مصر، التي انتهت بتنحي الرئيس حسني مبارك عن منصب رئاسة الدولة تحت ضغط الشارع الذي أصر على تحقيق هدفه من أجل التغيير نحو الأفضل بعد سنوات من الفقر والاستبداد ومصادرة الحريات التي استمرت على مدى 30 عاماً. الإرادة الحرة والإصرار أهم درس خرجت به من هذا الفيلم، وكذلك الأحداث، وما صاحبها من محاولات داخلية وخارجية استماتت بهدف إجهاض العمل الشبابي الذي أصر على إحداث التغيير مهما كانت التضحيات حتى أن الشعب المصري خرج في مدنه وقراه كافة وقدم مئات الشهداء وآلاف الجرحى. الغرب, وبالأخص أمريكا, كانت تراهن على استمرار مبارك في مكانه خدمة لسياساتها وأهدافها في المنطقة، لذا عملت الإدارة الأمريكية على التعامل مع أحداث مصر من خلال تبادل الأدوار بين البيت الأبيض ووزار ة الخارجبة، والرئيس، ونائب الرئيس، ووزير الخارجية، ووزارة الدفاع، والسفير الأمريكي السابق في القاهرة، ومندوب الإدارة الأمريكية إلى مصر وايسنر، ولذا المواقف الأمريكية اتسمت بالغموض والتناقض, حتى أن وايسنر صرح بعد مقابلته حسني مبارك بأن من الأفضل استمرار مبارك في الحكم في الفترة الراهنة.
أما في الداخل المصري فإن رموز الحكم السابق ومؤسساته لم تأل جهداً في القضاء على الثورة في مهدها من خلال القتل والإرهاب والاعتقال واستخدام كل الأساليب القذرة التي تبعد الشعب المصري عن هذه الثورة, حتى أن السجون فتحت أبوابها، وسرح المجرمون، والقتلة ليعيثوا في الأرض فساداً، ويثيروا الرعب في نفوس الشعب المصري، وإشعاره بافتقاد الأمن وعدم الاستقرار، كما أطلق النظام السابق ما يعرف بالبلطجية حين ركبوا الجمال والبغال، وقتلوا الناس وضربوهم بقنابل المولتوف، وكذلك ضرب المتظاهرين بالرصاص الحي والغازات السامة. محاولات الإجهاض امتدت لشق صف المتظاهرين، واندساس رجال النظام داخل المتظاهرين في الميادين العامة، كما أن النظام سعى إلى التواصل مع الأحزاب المصرية، وتحاور معها رغم أنه لم يكن يعير هذه الأحزاب والمعارضة أي اهتمام في السابق, حتى أن حسني مبارك قال إحدى المرات ''دع المعارضة يستنوا'', ما يعكس صورة الاستخفاف بالرأي الآخر الذي كان يتعامل من خلاله النظام مع أبناء شعبه ورموزه حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من احتقان أحدث الانفجار الشعبي الذي أنجز التغيير في نهاية المطاف برحيل رأس النظام، وربما النظام بكامله بعد السقوط المريع.
لا شك أن الغرب والبعض في الداخل, يسعى جاهداً لحصر اهتماماتنا في نطاق الأغاني والرياضة ونغمات الجوال، أي نغمة نختار، وأي برنامج ترفيهي نشاهد، لكن حين تتجه الاهتمامات للأمور الجادة والمهمة التي تجعلنا نعتمد على أنفسنا، ونضع أموالنا في مكانها الصحيح يكون التحرك لإفشال مثل هذه المحاولات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي