في ظل وجود التأمين.. التعويض كيف نفهمه؟
كنت قبل فترة قصيرة أحد ضيوف الزميل المشاكس داود الشريان في برنامجه الإذاعي حول تأمين المركبات، وكان الحديث يدور حول مماطلة شركات التأمين في دفع التعويضات للمتضررين من حوادث السير، سواء في التأمين الشامل أو في تأمين المسؤولية.
هذه المماطلة تأتي كجزء من قضية أكبر ألا وهي إشكالية التعويض نفسه، فالمشكلة تكمن أولاً في أن مفهوم التعويض نفسه لم يكن واضحاً من حيث ما الذي يشمله التعويض، وما الذي لا يشمله. ولذلك فقبل طرح الحديث عن المماطلة أو كيفية حصول المتضرر على التعويض، فإنه ينبغي التطرق للحديث عن بلورة مفهوم واضح للتعويض، وهذا ما حاولت أن ألفت النظر إليه من خلال حديثي في ذلك البرنامج. ولكن يبدو أن المعاناة حتى في الحصول على القليل من التعويضات كانت أكبر من أن يُخصص جزء من هذا الحديث عن التعويض بمفهومه الشامل والعادل.
وبصفة عامة، فإن التعويض عن الضرر يدور حول فكرة واحدة، وهي إعادة الحال إلى ما كان عليه المتضرر قبل حصول الضرر. وهذه الفكرة أو هذه القاعدة هي وسيلة القياس العادلة للتعويض، وهي الغاية التي ينبغي السعي إلى تحقيقها. والتعويض يعني وفقاً لذلك أن يكون بقدر ما أصاب المجني عليه أو المتضرر من أضرار. والشريعة الإسلامية لم تكن بعيدة عن هذا المفهوم، بل هي أكثر دقة في تحقيق هذا المعنى، فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار)، والقاعدة الفقهية التي تقضي بأن الضرر يُزال، وغير ذلك الكثير مما يؤكد أن إزالة الضرر في الشريعة هو أساس فكرة التعويض.
وشركات التأمين حينما تتعهد بالتعويض في حال حصول الضرر، فإنه ينبغي أن يكون تعهدها شاملاً لكل ضرر قابل للتعويض، والتعويض هنا يكون بقدر الضرر دون زيادة أو نقصان، وسواء أكان هذا التعويض عينياً أو نقدياً أو كلاهما. فتعويض صاحب المركبة المصدومة مثلاً يجب أن يشمل الإصلاح أو قيمته، ويجب أن يشمل كذلك الخسائر المترتبة على بقاء المركبة أثناء فترة الإصلاح، مثل تكلفة استئجار سيارة بديلة بنفس المستوى، بل حتى تعويض صاحب المركبة عن الخسائر المترتبة على عدم استخدامها إن كانت هذه السيارة تُستخدم لغرض تجاري مثل سيارات الليموزين أو النقل التجاري، سواء أكان صاحبها أو المستفيد منها فرداً أم شركة، طالما أن شركة التأمين قد قامت بالتأمين عليها وهي تعلم بأنها تُستخدم للأغراض التجارية. وبعد أن تقوم شركة التأمين بدفع التعويضات اللازمة تستطيع هي بدورها أن تستعيد كل أو بعض مما دفعته من تعويضات لعميلها، عن طريق ما يُعرف بمبدأ الحلول والذي قرره النظام وهو أن تقوم شركة التأمين برفع دعوى على المتسبب بالضرر للحصول على مقابل ما دفعته من تعويضات لعميلها.
إن ما يعزز موقف المتضررين في حصولهم على حقهم في التعويض العادل هو وجود نظام واضح ومجزٍ للتعويض، بحيث لا يُدخل في حسبانه الظروف المادية للمتسبب في الضرر ومراعاة أحواله والموازنة بين قدرة المتسبب على دفع التعويض وبين حق المتضرر به. كما أنه وبوجود شركات التأمين فقد أصبح لا يُنظر إلى التعويض على أنه يمثل عقوبة أو جزاء إضافيا على المتسبب، بل ولا ينبغي النظر إليه على هذا النحو، فهو حق للمتضرر ينبغي أن يحصل عليه بأفضل وأسرع وسيلة لا أكثر ولا أقل من ذلك. والتأمين على المركبات والتأمين الإلزامي على المركبات بالذات ما وُضع إلا بهدف إيجاد جهات قادرة على دفع التعويضات بسهولة، بهدف حل مشكلات المتضررين من حوادث السير وتخليصهم من معاناة مطاردة المتسببين بالحوادث ومطالبتهم مالياً وسجنهم دون طائل. وشركات التأمين هي هذه الجهات، ولكن لا ينبغي أن يُترك لها الأمر في أن تحدد ما ينبغي أن تدفعه وما لا تدفعه من تعويضات.