الفجوة مع الشباب .. أين الخلل؟
عندما كنت طالبا في أمريكا عام 1997, كان الشباب الإماراتي أنموذجا لمحبة صافية بين الحاكم والشباب المبتعث, فالدول المتحضرة كأمريكا وغيرها وبحكم تكفلها حرية التعبير، ساعدت حوارات الشباب العربي على أن تتسم بالصراحة البعيدة كل البعد عن المجاملة المصطنعة, فالهموم العربية عادة تأخذ المساحة الأكبر في أثناء اللقاءات بين الشباب العربي المبتعث. لقد كان بعض الشباب العربي يتعجب من تصرفات الشباب الإماراتي حين ينقلون الصور الشخصية للشيخ زايد ـــــ رحمه الله ـــــ كجزء من متاع السفر الأساسي, بل إن الصورة الشخصية للشيخ زايد ــــــ رحمه الله ـــــ كانت تعد من أهم التحف التي تزين ديكورات منازل الشباب الإمارتي في الخارج, بل وصلت درجة هذا الحب إلى أن صور الشيخ زايد كانت تزين طبلونات سيارات الشباب الإماراتي مع صور أبنائهم وبناتهم. الرسالة غير المباشرة أن الشيخ زايد جزء أساسي من كل عائلة إماراتية, فالإنسان في السفر عادة لا يحمل معه سوى ما خف وزنه وغلا ثمنه, لكن صور الشيخ زايد ـــــ رحمه الله ـــــ كانت من أهم أولويات متاع السفر لكل مبتعث إماراتي في ذلك الوقت.
كان الشباب السعودي النموذج الأبرز للتحالف الصادق بين القائد والشباب المبتعث منذ بداية برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي, فصور خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تزين بيوت المبتعثين، وإن كانت الصور ليست لها دلالة قوية في مجتمعنا لكون البعض لديهم تحفظات على شرعيتها, لكنها تعبر عن دفء مشاعر وحب متبادل بين الشباب وقائد النهضة السعودية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز. ولا أدل على الحب الشعبي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مظاهر الفرحة العارمة بين المبتعثين, خصوصا بعد نجاح العملية التي أجراها ـــــ حفطه الله ـــــ أخيرا, فكان الشباب المبتعث يبارك بعضهم البعض بنجاح العملية بصورة عفوية ومشاعر صادقة.
إن صورة التلاحم والانسجام بين خادم الحرمين الشريفين والشباب المبتعث يعطي البلاد أمانا وطمأنينة بصدق النية والثقة المتبادلة بين قيادة صادقة وشباب طموح. كما أن صورة التلاحم بين الأب وأبنائه تقطع الطريق على المتربصين والحاقدين على هذه البلاد نحو تحقيق أهدافهم الدنيئة.
لا شك أن الشباب على اتفاق بأن تطلعات خادم الحرمين الشريفين الإصلاحية تتوافق مع تطلعاتهم إن لم تزد. فالمشاريع التنموية التي تشهدها المملكة, التي سيمتد نفعها لأجيال قادمة, خير شاهد على سعي القيادة الحثيث نحو تأسيس بنية تحتية صلبة، يمتد أثرها إلى أجيال قادمة. ولعلنا بعد أن تنفذ المشاريع الحالية ألا نسمع كلمة مشاريع البنية التحتية بسبب أن أسس البنى التحتية الأساسية ستشارف على الانتهاء, ما يقودنا إلى الانتقال إلى مرحلة مشاريع التطوير والبناء لا مشاريع البنية التحتية.
لا خلاف بين الشباب على السعي الحثيث للملك عبد الله بن عبد العزيز لتنمية البلاد بدليل وصول ميزانية الدولة إلى اعتمادات مالية تاريخية. ففي السابق كان بعض الوزراء أو المسؤولين التنفيذيين يتحججون بقلة الاعتمادات المالية عند سؤالهم عن أسباب سوء الخدمة المقدمة للمواطن, لكن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز دحض هذه الحجة باعتمادات مالية غير مسبوقة وميزانيات تاريخية, بل صرح ـــ حفظه الله ـــ في أكثر من مرة بأنه لا عذر اليوم لأحد على التقصير. لكن الاعتمادات المالية غير المسبوقة التي وفرها خادم الخرمين الشريفين كشفت أن الخلل لا يكمن في الاعتمادات المالية, إنما في كيفية إدارة الميزانيات المعتمدة واستثمارها بالشكل الأمثل, خصوصا من قبل بعض المسؤولين التنفيذين. مكمن الخلل يكمن في أن مستوى عمل القيادات التنفيذية ليست على مستوى الطموحات, فأحداث جدة المؤلمة والبطالة وغيرهما من الأحداث أمثلة حية على اتساع الفجوة بين قيادة أبوية مخلصة وقيادات تنفيذية لا تسير بمستوى التطلعات. حجم المشاريع التي أرساها خادم الحرمين الشريفين خلال السنوات القليلة الماضية تعد تاريخية في أحجامها وأعدادها, لذا فإن المرحلة القادمة تتطلب تشديد الرقابة على تنفيذ المشاريع التي من المتوقع لها في حالة تنفيذها أن تسهم في نهضة غير مسبوقة ستعيشها المملكة وينعم بها أبناؤها. فالأعداد الكبيرة من الشباب المبتعث, التي تجاوزت 100 ألف مبتعث, في طريقهم للعودة إلى بلادهم وتوقعاتهم أن يروا ما كانوا يسمعون عنه من مشاريع تنموية تسهم في تنمية البلاد، وتسهم في انخراطهم في الحياة العملية. كما أن المرحلة القادمة تتطلب تقديم حلول ناجعة لسوء الخدمات المقدمة للموطن بشكل عام في ظل وفرة مالية غير مسبوقة.
ختاما: أجد أن المحبة التي يزخر بها خادم الخرمين الشريفين لدى افراد المجتمع, خصوصا الشباب, ليست محض الصدفة, لكنها عربون صداقة متبادلة بين أب حنون وشباب متطلع إلى السير ببلده إلى مصاف الدول المتقدمة في شتى المجالات. هذا الشعور المتبادل يجب ألا يكدره تقصير بعض المسؤولين التنفيذيين, إنما يدفع إلى مزيد من التواصل لكشف وفضح ـــ إن لزم الأمر ـــ لكل من يقف حجر عثرة في وجه تقدم هذه البلاد.