رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


طرائقنا في حل المشكلات ما بين «ساهر» و«القدرات»

تجنح بعض المنظمات والهيئات عن مسارها وتخفق في تحقيق أهدافها، وهذه نتيجة طبيعية بسبب سوء التخطيط، تعثر الحظ، عدم وضوح الرسالة، تجنب المحاسبة، وإغفال الرقابة. وعندما تضيق بها السبل ويبلغ بهذه المنظمات اليأس ويتمكن منها الإحباط تجنح إلى أساليب عشوائية لمعالجة الخلل وتصحيح الانحراف دون تمحيص ودون دراسة الوسائل المناسبة لحل المشكلات. عندما تفقد هذه المنظمات البوصلة وتضل الطريق تصبح تدور حول نفسها، وتجنح إلى حلول هامشية، وإلى علاجات سطحية، وقرارات مرتجلة.
ولتوضيح هذه المقدمة دعونا نستعرض عددا من القرارات العشوائية التي تبنتها بعض مؤسساتنا خلال السنوات القليلة الماضية لمعالجة بعض إخفاقاتها ولنختار منه منها اختبار ''القدرات'' ونظام ''ساهر''. أرى أن اختبار ''القدرات'' ونظام ''ساهر'' آلية سطحية لمعالجة مشكلات متأصلة وأراها فاقمت المشكلة وزادت الأمر تعقيدا لأنها حلول مؤقتة ومعلبة بانت سوءتها قبل أن تبدأ فقاومها الشارع ولم يتفاعل معها المواطن لأنه يرى أنها خرجت عن مسارها واستغلت تصويب الأخطاء لأهداف مبطنة ظهر جزء منها على السطح والباقي لا زال مغمورا. وحتى تتضح الفكرة أكثر نريد أن نلقي الضوء في البداية على اختبار ''القدرات'' ثم نعقبه بتشريح نظام ''ساهر''، وقد يستغرق منا هذا التحليل مقالين كاملين. قبل عدة سنوات عانت الجامعات من تسلل بعض مخرجات التربية والتعليم غير المؤهلة وحصولها على مقاعد في الجامعات فقننت القبول وأجرت بعض الاختبارات الشفوية والتحررية لبعض التخصصات الأكثر جاذبية للطلاب ومن حقها أن تفعل، فهناك طلاب غير مؤهلين يحصلون على مقاعد ويحرمون من هم أكفأ منهم. إلا أن جميع ما قامت به مؤسسات التعليم العالي للوصول إلى تكافؤ الفرص بين الطلاب باءت بالفشل ولم تستطع أن تحد من عملية التسرب هذه. وقد كان الحل الأمثل التنسيق مع وزارة التربية والتعليم للخروج بآلية ووضع معايير محددة يمكن أن تحقق العدالة وتحد من تسلل الطلاب غير الأكفاء إلى مقاعد الجامعة. إلا أن الجامعات أغفلت هذا ونظرت إلى القضية نظرة جزئية كمؤسسة مستقلة وكأن طلاب الثانوية العامة أتوا من مؤسسة تعليمية خارج البلاد. وعوضا عن هذا قررت الجامعات فرض اختبار القدرات من أجل إعادة التوازن لدرجات الطلاب في شهادة الثانوية العامة. وهذا الأسلوب قد يكون مقبولا لو أن الأمر اقتصر على اختبار واحد لقياس القدرات، إلا أننا فوجئنا بعدة اختبارات متتالية. فأعقب ''القدرات'' اختبار ''التحصيل'' تلاه اختبار ثالث للكليات الطبية والصحية. وبذا تشتت فكر الطالب بين عدة معايير متباينة: شهادة الثانوية العامة، اختبار القدرات، اختبار التحصيل، المقابلة الشخصية ولا يدري بأيهم يبدأ.
هذه العقبات تواجه الطلاب قبل الولوج إلى الجامعة، ولكن هناك اختبارات تنتظرهم بعد التخرج وتقف له بالمرصاد أينما كانت وجهتهم. فهناك اختبار لمن يريد مهنة التدريس، وآخر للتخصصات المهنية، وثالث لمن يرغب في الكليات العسكرية ورابع للدراسات العليا، وخامس، وسادس في سلسلة طويلة من التعقيدات والعقبات غير المبررة وغير المجدية ظاهرها تقنين القبول ومراعاة العدالة.
لقد كان الهدف من اختبار ''القدرات'' إحداث توازن في درجات طلاب الثانوية العامة لتحقيق العدالة في دخول الجامعة، أما وقد أصبح الوضع بهذا الشكل فهذا يعني أن الأمر قد خرج من مجرد تقنين القبول إلى أهداف أخرى خصوصا أن هذه الاختبارات لها رسوم، ورسوم عالية يدفعها مئات الآلاف من الطلاب عدة مرات خلال العام. ونخشى إن تُرك الحبل على الغارب أن تُستحدث اختبارات أخرى تكون بمثابة حجر عثرة أمام المواطنين تحول بينهم وبين الاستفادة من الخدمات التي هيأتها لهم الدولة من دخول الجامعة أو الحصول على وظيفة، فإذا ترك الوضع بهذا الشكل فقد نفاجأ باختبار للياقة البدنية، وآخر للكلمات المتقاطعة، وثالث يقيس التربية الوطنية بالغوص بالزي الوطني في مياه المحيط الهادي وغيرها من الشبائك والأشواك التي تعوق الناس من الحصول على مؤهل أو الظفر بعمل. إن خروج اختبارات القياس عن المهمة التي أعدت من أجلها شككت الناس في أهدافها وأنها لم تعد صمام أمان للجامعات ولم يعد هدفها تهذيب مخرجات وزارة التربية والتعليم وتحقيق التوازن بين درجات المتقدمين للجامعات.
وهذا رد فعل طبيعي لأن المشكلة لم تحل من جذورها وما اختبارات القياس إلا حلول معلبة لمشكلة متأصلة توهمنا أننا قد تغلبنا عليها، وقد أخذت منحى آخر وذهبت بعيدا عن الهدف الذي أنشئت من أجله وهذه طبيعة الحلول المؤقتة. وسواء طال الزمن أو قصر سيأتي اليوم الذي ستلغي فيه كل هذه الاختبارات، فالحلول المعلبة لا تدوم لأن مدة صلاحيتها ستنتهي.
ولنترك اختبارات القياس والتقويم جانبا لنطرح مثالا آخر يدعم ما بدأنا به من فكرة الحلول المؤقتة والبعد عن دراسة لب المشكلة، فها هو نظام ''ساهر'' يقدم بأنه المنقذ من حوادث السير. هدف ''ساهر'' الظاهر تخفيف كوارث السيارات والحوادث المهولة التي تفتك بالمواطنين والمقيمين، وهذا هدف نبيل لا يختلف عليه اثنان. فالكوارث المرورية يتمت الأبناء، ورملت النساء، وقتلت الشباب، وحقا أنها مصيبة فكم من عائلة سعودية وفيها حالة وفاة، أو معوق، أو مشلول، من جراء حوادث السير.
إلا أن طريقة معالجتها لا تختلف كثيرا عن طريقة معالجة تسرب طلاب الثانوية العامة إلى الجامعات. ولعرض تفاصيل أكثر عن الموضوع نحتاج إلى مقال آخر نستكمله الأسبوع المقبل ـــ بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي