هل سيتمكن الإسلاميون من حكم مصر؟
مع استمرار الحركة الاحتجاجية في مصر، بدأت تتصاعد وتيرة الحديث حول طبيعة المرحلة الانتقالية، وحول ماهية القوى التي ستحكم مصر، وراح المهتمون بالشأن المصري يضعون مختلف السيناريوهات لمرحلة ما بعد مبارك، مع تركيز مقصود من بعض الأوساط السياسية الأجنبية، على دور الإسلاميين وموقعهم في حركة الاحتجاج التي أشعلها الشباب المصري، وهل سيتمكنون من استلام السلطة في مصر؟ بل، وماذا سيحدث لو استلم ''الإخوان المسلمون'' حكم مصر؟، وما تأثير ذلك في العلاقة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية ومع إسرائيل؟ وما مصير ''اتفاقيات السلام''؟
الموقف الأميركي
وبالنظر إلى أهمية مصر وثقلها في منطقة الشرق الأوسط، فإن الأحداث الجارية فيها منذ الخامس والعشرين من الشهر الماضي استدعت اهتمام وقلق معظم دول العالم، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي وسواها، حيث تتابع الإدارة الأمريكية أدق تفاصيل الوضع في مصر، وتتخوف من احتمال حدوث تغيير في الواقع السياسي والاستراتيجي في المنطقة.
وتأرجح الموقف الأمريكي ما بين المطالبة بانتقال فوري للسلطة ومطالبة الرئيس مبارك بالتنحي، وبين اعتبار بقائه في السلطة ضرورياً في المرحلة الانتقالية، حسبما صرح فرانك ويزنر المبعوث الخاص للرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مصر، الذي تنصلت مما قاله الإدارة الأمريكية، واعتبرته مخالفاً لتوجهها المطالب بانتقال سلس وسريع للسلطة في مصر.
وينطلق موقف الإدارة الأمريكية حيال ما يجري في مصر من حرصها على بقاء الوضع الإقليمي في المنطقة، كما هو قبل انتفاضة الشباب المصري، بما يعني الحفاظ على أمن إسرائيل من خلال عدم السماح بأي تغيير يفضي إلى المساس باتفاقيات ''كامب ديفيد''، وبالدور المصري في المنطقة، الأمر الذي يترتب عليه تأمين سبل استمرار النظام المصري، وتأمين قدرته على الوفاء بالاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل، وفي نفس الوقت حثه على القيام بإجراء تغييرات وإصلاحات فورية تستجيب لمطالب الحركة الاحتجاجية. ومن هنا يظهر التردد والإرباك في موقف الإدارة الأمريكية حيال الأحداث الجارية في مصر، وسبل التعامل معها، حيث لا تمانع من تحقيق مطالب الحركة الاحتجاجية، لكنها ترغب أيضاً في أن يجد قادة الجيش المصري مخرجاً سلساً وسريعاً للوضع الحالي.
واللافت هو أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون رحبت بمشاركة ''الإخوان المسلمين'' في الحوار، الذي بدأ بين نائب الرئيس المصري اللواء عمر سليمان، وقوى من المعارضة السياسية والشبابية المصرية. ولا شك في أن هذا الموقف يعبر عن محاولة الإدارة الأمريكية معرفة ما تريده الجماعة الإسلامية، وجعلها تحاور النظام في الأطر المطلبية الداخلية، سواء على المستوى الاجتماعي أم السياسي، حيث تركز الإدارة الأمريكية على إبقاء مطالب الحركة الاحتجاجية في حيز القضايا الاجتماعية، وألا تمتد إلى القضايا الوطنية، التي تتصل بالعلاقات بين مصر وإسرائيل، وبالدور المصري في الصراع العربي - الإسرائيلي، الأمر الذي تتجنبه الولايات المتحدة الأمريكية، نظراً لأنه يشكل إرباكاً شديداً لها ولحليفتها إسرائيل.
غير أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر تأخذ على النظام المصري توقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل، وكانت تندد به على هذا الأساس، وتأخذ عليه أيضاً موقفه من حركة ''حماس'' التي تحكم قطاع غزة، لكنها مع استمرار الحركة الاحتجاجية أخذت بالمطالب المطروحة في ساحة ''ميدان التحرير''، ولم تتعرض للعلاقة مع إسرائيل أو للاتفاقيات المبرمة معها. وأرسلت قيادات جماعة الإخوان إشارات عديدة تفيد في أنهم لا يطمحون بالسلطة في مصر، حيث أعلن نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين رشاد البيومي في مقابلة له في ''در شبيغل'' أن الجماعة لا تريد ''أن تقدم الثورة في مصر على أنها ثورة الإخوان المسلمين''، أو ثورة إسلامية، لأنها ''انتفاضة الشعب المصري''. وأعرب عن أسفه لكون نظام الرئيس المصري حسني مبارك ''يقدم عمداً رؤية مغايرة للحركة ويتلاعب بالرأي العام''. واشتكى من أن ''الغرب لا يريد الاستماع إلينا. لسنا بشياطين. ونريد السلام وليس العنف''. بالمقابل اعتبر السناتور الجمهوري الأمريكي جون ماكين أن فكرة مشاركة الإخوان المسلمين في حكومة انتقالية في مصر ''ستكون خطأ تاريخياً''، لأن ''الإخوان المسلمين مجموعة متطرفة تهدف إلى فرض الشريعة. وهي مناهضة للديموقراطية كلياً، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بحقوق النساء''.
وتعي الإدارة الأمريكية أن مماطلة النظام المصري في إحداث التغيير المطلوب تسهم في توسيع المطالب الاحتجاجية، وانتقالها إلى المطالب الوطنية، بما فيها الدور المصري في القضايا الإقليمية، وربما المطالبة بإعادة النظر في التزامات مصر الدولية، خصوصاً علاقتها مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، لذلك تريد الإسراع في التغيير، وتهدد بإعادة النظر في المعونات والمساعدات الأمريكية لمصر، التي تبلغ نحو 1.3 مليار دولار سنوياً.
التخوف الإسرائيلي
ظهر القلق والتخوف في الجانب الإسرائيلي منذ الأيام الأولى للاحتجاجات في مصر، حيث أطلق الساسة الإسرائيليون تصريحات، عبرت عن تخوفهم من التغيير في النظام المصري، نظراً لأنهم يعتبرونه الضامن لاتفاقيات ''كامب ديفيد''، التي أفضت إلى تحييد دور مصر وأخرجتها من معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي. كما يعتبرون أن قدوم الإسلاميين إلى حكم مصر، سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 1978، ويدخل مصر من جديد في الصراع مع إسرائيل، وسيفضي إلى تغيير الواقع السياسي والاستراتيجي في المنطقة. لذلك تتخوف إسرائيل من أثر ما يجري في مصر في مستقبل الدور المصري، وأثره في مستقبل الدول المحيطة بها، واحتمالات عودة الحياة إلى ما كان يُعرَف بـ ''الجبهة الجنوبية''، التي غابت الحرارة فيها منذ أكثر من ثلاثة عقود. لذلك سارعت إسرائيل إلى المطالبة بالوقوف إلى جانب النظام المصري، ثم أصدر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أوامر إلى جميع وزرائه بالامتناع عن إعطاء تصريح حول ما يجري في مصر.
والواقع هو أن التخوف والقلق الإسرائيليين يصدران بالأساس من انتقال ما يعتبره الإسرائيليون ''الانفلات في مصر'' إلى الحدود المصرية مع إسرائيل، خصوصاً بعد هروب بعض السجناء الفلسطينيين من السجون المصرية، ووصولهم إلى سكناهم في غزة، إضافة إلى التخوف من أن تنتقل الأسلحة عبر المناطق الحدودية إلى قطاع غزة، لذلك طالب بعض الإسرائيليين بإعادة احتلال الشريط الحدودي مع غزة.
ويضع الساسة الإسرائيليون احتمال أن تصبح مصر ''جمهورية إسلامية'' على حدّ زعمهم، متصورين أن الإسلاميين سيحققون في الانتخابات الحرة الأولى في مصر غالبية ساحقة، الأمر الذي سيفضي إلى إلغاء اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وسيبعد مصر عن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ويقربها من حركة ''حماس''، لذلك يطالبون الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم العون للنظام المصري، وإنقاذه من خطر الوقوع في أيدي الإخوان المسلمين، حيث اعتبر الرئيس السابق لحزب ميرتس، يوسي بيلين أن ''احتمال تحقق هذا السيناريو على أرض الواقع كبير''. وفي ضوء هذا السيناريو يرى الساسة الإسرائيليون أن الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى إعادة تنظيم نفسه، ويستعد لاحتمال مواجهة تهديد مصري محتمل!
موقف الإسلاميين
بصرف النظر عن مواقف الساسة في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وإيران وتركيا وسواها حيال المرحلة المقبلة في مصر، فإن حركة الاحتجاج المصرية برهنت أن كل الأحزاب السياسية كانت بعيدة عنها، وعن نبض الشارع المصري، وأن الشباب المصري غير المؤدلج، وغير المنضوي تحت رايات الأحزاب المصرية هو من يقودها، وبالتالي أظهرت الحركة الاحتجاجية حقيقة وضع الإسلاميين في المجتمع المصري، وبينت حجمهم ووزنهم الحقيقي في الساحة السياسية المصرية، حيث يمكن القول بأن الإسلاميين لا يسيطرون - كما كان يشاع - على الشارع المصري، ولا يشكلون أغلبية المصريين، بل هم قوة سياسية موجودة ولها اعتبارها، لكنها ليست القوة السياسية الوحيدة، ويتحدد تأثيرها بمقدار اقترابها من نبض الشارع المصري، مثلها مثل سائر القوى السياسية الأخرى، التي أظهر الحراك الشعبي الاحتجاجي هشاشتها وضعف تأثيرها.
واختلفت مواقف الإسلاميين في مصر حيال الحراك الشبابي، حيث بقي التيار السلفي، وكذلك بقايا التيار الجهادي الذي قام بمراجعة لنهجه، على موقفه الرافض للاحتجاج، لكن أفراده شاركوا في بعض الأعمال الميدانية المتعلقة بلجان حماية الأحياء، ودعا بعضهم إلى حماية المرافق والممتلكات العامة والخاصة، وخاصة ممتلكات المسيحيين والأجانب، والتصدي للبلطجية واللصوص.
واتسمت مواقف ''الإخوان المسلمين'' بالحذر والتردد في البداية، حيث فوجئ قادتها بالحراك الاحتجاجي الشبابي، وانتظروا حتى تشتد الاحتجاجات كي ينخرطوا فيها بشكل واضح واستعراضي، حيث تحددت مشاركتهم في البداية بالمشاركة على مستوى الأفراد، مع التأكيد على عدم الانسياق خلف مفردات وشعارات الخطاب الاحتجاجي الشبابي، التي تركزت حول وطنية مصرية جامعة للمصريينّ كافة، وتطالب بالديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وتشدد على التلاحم بين المسلمين والمسيحيين.
وتطورت مشاركة الإخوان المسلمين مع اشتداد الحراك الشبابي واستمراره في التصاعد، فدخلوا بقوة منظمة في التظاهرات. وراحوا يطالبون بميلاد نظام جديد يكون لهم موقعهم ومكانهم المعتبر، لكنهم يعرفون جيداً أنهم ليسوا في موقع قيادة الحركة الاحتجاجية، ولن يتمكنوا من استلام السلطة في مصر - بعكس ما تطرحه الأوساط الأجنبية - في المديين القريب والمتوسط، وبالتالي، فإن أحداث مصر كشفت زيف ورقة ''الإسلاميين''، أو ''الإخوان'' التي كان يستخدمها النظام لتخويف الإدارات الأمريكية والغربية، ويجعلها تدعمه لمواجهة ما سمي بـ''الخطر الإسلامي''، ولكي تكف في نفس الوقت عن مطالبته بالإصلاحات السياسية، بما فيها إجراء انتخابات حرة وإقرار التعددية السياسية والممارسة الديموقراطية وإلغاء الأحكام العرفية، ورفع حالة الطوارئ. ولا شك في أن الساسة والمسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب كانوا يعون جيداً زيف هذه الادعاءات، ولا يجهلون مرادها، لكنهم كانوا يقرون بها، وكأنها حقائق ثابتة وجوهرية.
وبرهنت الحركة الاحتجاجية المصرية، ومن قبلها الحركة الاحتجاجية التونسية، على ضعف الأحزاب العربية التقليدية وغير التقليدية، الرسمية منها والمعارضة، بما فيها حركة ''الإخوان المسلمين''، كونها ظهرت بأنها غير فاعلة في الأحداث، بل انتظرت حدوثها واشتدادها كي تنخرط في فعالياتها، وكانت فاقدة المبادرة، الأمر الذي يحتم عليها مراجعة دورها وأسباب تراجعها، وعليها أن لا تركب الموجة مثلها مثل بعض الأشخاص الذين قدموا من الخارج بحثاً عن دور مستقبلي في السلطة. لكن يبدو أن الأحزاب المصرية دخلت مساومة مع النظام المصري، وخاصة الأخوان المسلمين الذي تصدروا المقدمة، بعدما كانوا في البداية رافضين الحوار قبل رحيل الرئيس حسني مبارك، لكنهم ذهبوا إلى الحوار مع اللواء عمر سليمان، وفقاً للأجندة التي اقترحها هو، الأمر الذي يجعلهم منقادين إلى حيث يريد النظام.
ويمكن القول أن الأفق الذي تنتسب إليه الحركة الاحتجاجية المصرية هو أفق وطني، سياسي واجتماعي، وليس إسلاميا سياسيا، وبالتالي يخطئ من يبشر بـ''شرق أوسط إسلامي''، أو بدولة إسلامية في مصر، لأن الشباب المصري يعطي الأولوية لمصر ولكرامة المصري وحريته وعيشه، وقام بحراك سلمي من دون عنف أو استخدام السلاح، وتنحصر مطالبه السياسية في إقرار الديموقراطية والتعددية وإلغاء حالة الطوارئ وتعديل الدستور، ومكافحة الفساد، وكل ما يصب في سياق إرساء دعائم جمهوريّة ديموقراطيّة وعصريّة.