الأرصاد الجوية.. فلنتعامل مع نذر الخطر
هناك من يلقي باللوم على الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة لعدم قيامها بالتحذير من الأمطار التي هطلت بغزارة على مدينة جدة بل قد بلغ اللوم حدا تم طرحه في مجلس الشورى ضمن مناقشاته لأسباب الكارثة في حين أن الواقع يثبت أن التحذيرات كانت تصل قبل الكارثة بوقت كاف جدا تجاوز الـ 24 ساعة والـ 48 ساعة في بعضها وقد دافعت الرئاسة العامة عن موقفها بسرد توقيت التحذيرات الصادرة منها إلى الجهات المختصة باليوم والساعة والدقيقة ولأن القضية ليست دفاعا عن جهة أو مسؤول بقدر ما هي تحر للحقيقة وبحث مكمن المشكلة ومعرفة لأسباب الفشل في التعامل مع تلك التحذيرات.
إن حجم الخسائر التي وقعت في مدينة جدة رغم أنها أكبر من الناحية المادية عن تلك الخسائر في العام الماضي إلا أن ما نحمد الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ عليه هو أن الوفيات أقل بكثير بل ليس هناك مقارنة ففي العام الماضي بلغت الوفيات عشرة أضعاف ما قدر الله في هذا العام، ومرجع ذلك إلى تعامل المواطنين مع الحدث فقد لزم كثير منهم منازلهم في حين تجنب الكثيرون المرور بالمواقع التي أصبحت مجرى للسيول أثناء المطر وتفادوا الوقوف في الأنفاق أو الأراضي المنخفضة، وقد كانت إرادة الله فوق كل شيء فقد صادف يوم الأربعاء انصراف الطلاب مبكرا من مدارسهم، حيث أنهوا امتحان المادة أو المادتين في جدول ذلك اليوم مما مكنهم من الوصول إلى منازلهم قبل بدء هطول الأمطار، كما أن حسن تعامل الدفاع المدني وغيره من الأجهزة المعنية بالحدث كان واضحا فيه الاستفادة من دروس العام الماضي.
فماذا فاتنا أن نتعلم من كارثة العام الماضي حتى يمكن لنا تقليص الخسائر أو تفاديها، إن الواقع يثبت أن ما يمكن أن يهطل من أمطار مستقبلا قد يتجاوز المتوقع، فالتغيرات المناخية الحادة تنذر بتحولات بيئية كبيرة والذي يهمنا أن التحذيرات التي أطلقتها الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة لم تصل إلى منتهاها الطبيعي وهو علم المواطن بها وبما يمكن أن يترتب على عدم التعامل معها بجدية من نتائج خطيرة قد تمس حياة الإنسان وأسرته وممتلكاته هذا على صعيد الأفراد، أما الجهات الحكومية ومنها الدفاع المدني فإن الاستعدادات المبكرة لها دور رئيس في أداء الدور الوظيفي للدفاع المدني في حالة الكوارث، وكذلك حرس الحدود والمرور وغيرها من الجهات ذات العلاقة المباشرة.
لقد بادرت الإدارة العامة للتحاليل والتوقعات في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة إلى تقديم التحذيرات الدقيقة في توقيت ملائم وتم إبلاغها إلى عدة جهات إلا أن غيابها الكامل عن المواطن هو مكمن المشكلة فقد كان من الملائم أن يتم التنبيه عنها في وسائل الإعلام الأسرع نقلا للخبر إلى المواطن مثل القنوات التلفزيونية الفضائية وبصورة تعكس خطورة الخبر وأهميته حيث يفترض وصوله إلى المواطن وبقدر عال من التنبيه والتحوط بل والحث على تفادي مصادر الخطر مع تحديد دقيق للزمان والمكان.
إن كارثة السيول التي وقعت يوم الأربعاء 22 صفر كشفت عن ضعف شديد في التعامل مع الحدث قبل وقوعه وتقاعس أشد في التحذير منه وأخذه مأخذ الجدية في حين كان من المفترض أن نكون قد تعلمنا من الأخطاء السابقة، وإن من المتعين أن يتم أخذ التنبيهات والتحذيرات بكل عناية من اليوم فصاعدا فلم يعد هناك مجال لتكرار الإهمال بل لا بد من التعامل معها على أنها أخبار يقينية لأنها تصدر بناء على معلومات مسبقة عن كميات السحب ونوعها وسرعتها وتوجهها وهي أيضا صادرة من جهة رسمية مختصة مسؤولة عن التقرير الصادر منها. فهل سنأخذ تحذيرات رئاسة الأرصاد مأخذ الجد مستقبلا؟