رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التحديات الاقتصادية من الشرق إلى الغرب

ما المخاطر (أو التحديات) التي يواجهها الاقتصاد العالمي، هل هي الأزمة الحالية، أم أزمة قادمة؟ هل هي البطالة أو تراجع معدلات النمو الاقتصادي؟ هل هي تراجع الاستقرار السياسي، أو تزايد معدلات الفقر؟ هل هي زيادة المديونيات العامة، أو اهتزاز المؤسسات المصرفية في العالم؟ كل ما ذكر مخاطر محتملة تواجه الاقتصاد العالمي، سواء على المستوى الكلي أو على مستوى الدول فرادى. وتأمل في حال كل دولة أو مجموعة اقتصادية، فستجد لكل منها مجموعة من المخاطر التي تواجهها بشكل أساسي، وقد تشترك أو تتناقض مع الدول والمجموعات الاقتصادية الأخرى في هذه المخاطر.
لنبدأ من أقصى الشرق، ونفكر في ماهية المخاطر التي يواجهها العالم هناك. على المستوى السياسي، قد يكون احتمال نشوب حرب بين الكوريتين هو أكبر هذه المخاطر، وهذا قد ينعكس بآثاره على المكتسبات الاقتصادية المتحققة هناك. وعلى الجانب الديموغرافي، هناك التحديات التي تواجهها الدول التي تعاني من ارتفاع متوسط أعمار السكان، خصوصا في كل من اليابان والصين، وأثر ذلك على النمو الاقتصادي لهذه الدول. بل إن اليابان بدأت تعاني من نتائج ذلك على اقتصادها الذي يعاني تراجعا في معدلات نموه خلال العقدين السابقين. مصادر الطاقة اللازمة للتنمية في دول الشرق يشكل أيضا تحديا كبيرا تواجهه هذه الدول، وستظل بالتالي معتمدة بالدرجة الأولى على مصادر الطاقة التقليدية في الشرق الأوسط. وفيما يتعلق بالتضخم، تعاني هاتان الدولتان، اليابان والصين، من هذه المشكلة، ولكن بشكل مغاير لكل منهما. ففي حين تعاني اليابان من تحول معدلات التضخم إلى الجانب السلبي؛ مما أثر على معدلات النمو فيها، إلا أن أكبر خطر اقتصادي يواجه الصين حاليا هو ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير.
في الشرق الأوسط، هناك مخاطر اقتصادية مغايرة لما يواجهه الشرق، خصوصا ما يتعلق بمصادر الطاقة والعوامل الديموغرافية. فالشرق الأوسط يتمتع بتوافر مصادر الطاقة اللازمة لعملية التنمية لديه. كذلك، يتمتع الشرق الأوسط في معظمه بتركيبة سكانية تتميز بارتفاع نسبة السكان ممن تقل أعمارهم عن 25 عاما. لذلك، فالمشكلة التي يعانيها الشرق الأوسط بشكل أساسي تتمثل في قدرة اقتصاداته على توفير فرص العمل الملائمة لهذا العدد المتزايد من السكان، وآثار هذه المخاطر بدت واضحة من خلال الأحداث الأخيرة فيه. كذلك، فإن التحدي الكبير لدول الشرق الأوسط هو انخفاض الإنتاجية فيها بشكل كبير، مقارنة مع دول أخرى كدول الشرق أو الدول الغربية، وهو ما يقلل من فرص النمو الاقتصادي فيها، إضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر، وتضخم الأسعار، بسبب خلل كبير في هياكل الأسواق والمنافسة لديها، والذي نتج بشكل كبير من انتشار الفساد على نطاق واسع.
أوروبا هي الأخرى تعاني تحديات اقتصادية كبيرة، خصوصا خلال العامين الأخيرين، مما مثل تحديا كبيرا لحكومات الدول هناك. هذه التحديات تتمثل في ارتفاع في المديونيات العامة؛ مما هدد بإفلاس بعض الحكومات، أو على الأقل التأثير بشكل كبير على قدرتها على سداد التزاماتها. بالطبع لذلك تأثيرات كبيرة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي؛ إذ إنه أصبح من الصعب على هذه الدول التوسع في إصدار الديون لتمويل المشاريع التنموية لديها، وفي منطقة اليورو بالتحديد، فإن التحدي الأكبر هو استمرار تماسك هذه الكتلة النقدية، التي كانت مثالا لتجارب حذت حذوها لتأسيس مناطق اتحادات نقدية مختلفة في العالم، بما فيها الاتحاد النقدي الخليجي، فالاتحاد النقدي الأوروبي يواجه تحديا كبيرا من حيث تعزيز قدرته على التماسك في مواجهة الأزمات الاقتصادية، بتقوية الالتزام من الدول الأعضاء فيه، وهو ما يتطلب تعديلات قد تطول اتفاقية الاتحاد الأوروبي نفسها. كذلك، تعاني دول أوروبا في المجمل من وضع مماثل لوضع اليابان والصين، من حيث ارتفاع متوسط أعمار السكان هناك؛ مما أسهم بشكل كبير في التأثير على معدلات النمو الاقتصادي لديها.
وصولا إلى أقصى الغرب، هناك تحدٍ كبير يواجه الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد على مستوى العالم، من حيث تعزيز قدرة الاقتصاد على خلق الوظائف، ومواجهة مشاكل المالية العامة لديها، سواء على مستوى الحكومة الفيدرالية أو حكومات الولايات أو الحكومات المحلية. كذلك، تواجه الولايات المتحدة مشاكل تتعلق القطاع الصحي، والضمان الاجتماعي، وارتفاع الالتزامات التقاعدية غير الممولة، سواء على الحكومات أو على مستوى شركات القطاع الخاص الكبرى. لكن التحدي الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة، هو التراجع المستمر، في كونها المصدر الأساسي للنمو الاقتصادي في العالم؛ مما يهدد بالتالي مكانتها الاقتصادية في العالم. أمريكا اللاتينية، أيضا تواجه تحديات كبيرة تتمثل في ارتفاع التعداد السكاني لها، وفي محدودية قدرة اقتصاداتها على خلق الوظائف. إفريقيا تواجه تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة جدا، نتج عنها تفشي البطالة والفقر وانتشار الأمراض والفساد؛ مما جعلها في أسفل القائمة في جميع مؤشرات التنمية.
هناك تحديات مشتركة تواجه تقريبا كل الاقتصادات في العالم، ألا وهي الفقر والبطالة المتزايدة خصوصا بعد الأزمة العالمية الأخيرة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية في العالم بمجمله والذي يتوقع استمراره على المدى المتوسط، وتوافر الرعاية الصحية الملائمة. واستعراض هذه التحديات والمخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي، لا يعني أن يكون هناك نظرة تشاؤمية تجاه الاقتصاد العالمي؛ لأن هناك أيضا آفاقا ممكنة ومتفائلة للنمو، قد أستعرضها في مقال قادم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي