رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مجلس الشورى والدراسات الاستراتيجية

ليس لدينا شك في أن كل مواطن يفتخر بإخواننا أعضاء مجلس الشورى لحسن اختيارهم. فقد تم اختيارهم جميعا من النخبة، وتشهد لهم مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم العملية بكفاءتهم المتميزة. وفي الوقت نفسه، فنحن لا نشك إطلاقا في إخلاصهم وتفانيهم في خدمة وطنهم ومواطنيهم والعمل على ما يعود على مستقبل أجيالنا القادمة بالخير. وبحكم المسؤوليات الجسام الملقاة على عواتقهم، فإن المواطن يأمل في أن يرى ويحس ببعض منجزاتهم، ولا نقول توصياتهم. وكثيرا ما كنا نسمع عن مناقشة أعضاء مجلس الشورى الموقرين لمواضيع ليست من أولويات واهتمامات المواطن التي تتعلق بمستقبله ومستقبل ذريته، فهي إما معاهدات ومواثيق دولية أو شؤون داخلية، من تلك التي حوارها لا ينتهي إلى نتيجة. نحن لدينا الكثير من الأمور التي تمس حياتنا ومستقبل اقتصادنا وتُهيِّئ فرص العمل لشبابنا. نريد من مجلس الشورى أن يضع مثل تلك المواضيع على بساط البحث، ويُقرر لكل منها استراتيجية مُحددة تتضمن حلولا مناسبة تتفق مع مصالحنا المستقبلية، ومن ثم تقديمها إلى الجهات المعنية في الدولة، لعل الله أن يكتب لها التنفيذ. وفي هذه العجالة سنختار موضوعين لعرضهما على أعضاء المجلس الموقر، كنا قد تحدثنا عنهما أكثر من مرة في مقالات سابقة، ونعيد عرضهما لأهميتهما في حياتنا.
الموضوع الأول يتعلق بوجود هذا العدد الهائل من المركبات الثقيلة التي تجوب طرقنا الرئيسة جيئة وذهابا، ليلا ونهارا، وهي تنقل المعدات الثقيلة والبضائع المختلفة من الموانئ الساحلية إلى وسط وأطراف المملكة، وعددها بازدياد مستمر. وبالنسبة للمواطن العادي فهو لا يرى فيها إلا مزاحمته في الطريق وخطورتها على سلامته. ولكن هناك من وجودها بهذه الكمية ما هو أكبر وأشد تأثيرا على مستقبلنا ومستقبل اقتصادنا الوطني. فتلك المركبات، التي يبلغ عددها مئات الألوف، لم تأتِ إلينا دون ثمن باهظ، فقد دفعنا لشرائها عشرات المليارات من العُملات الصعبة. وهي تستهلك سنويا ملايين البراميل من المشتقات النفطية التي تذهب هدرا بسبب تدني أسعارها محليا. وكنا نتمنى لو أن قيادتها تكون بأيد وطنية مثل بقية البشر. ولكن الواقع يُظهر أننا نستقدم عشرات الألوف من العمالة الأجنبية لتشغيلها وقيادتها وندفع مبالغ هائلة لشراء كميات كبيرة من قطع الغيار بعملة صعبة أيضا. وهذه العمالة تُشاركنا في استهلاك الكثير من المواد المخفضة والخدمات المُعانة، وتبعث بباقي دخلها إلى بلادها الأصلية، وهو أمر طبيعي بالنسبة لها. ووجودها على أرضنا ووسط مجتمعنا لا يخلو من بعض السلبيات التي يُعاني منها أفراد المجتمع. أما سير تلك المركبات البطيء واحتلالها لأكثر من مسار واحد في كثير من الأحيان فله أخطاره على السلامة المرورية، إلى جانب التدمير المُكلّف للطرق العامة. وإذا استمرت نسبة زيادة عدد المركبات السنوية على ما هي عليه الآن، فمن غير المستبعد أن تحتل أثناء سيرها مسارين من الطريق، تاركة مسارا واحدا فقط لجمهور المسافرين، وهذه كارثة! أما الحل الأنسب الوحيد، في نظرنا، فهو التوسع في مُنشآت السكك الحديدية والموانئ الجافة لتتمكن من نقل نسبة كبيرة من الأحمال الثقيلة والبضائع الأخرى، بدلا من المركبات. وسوف توفِّر هذه الخطوة في المستقبل عشرات الآلاف من الوظائف المحترمة التي تُناسب الشباب السعودي. فإن كنتم، حفظكم الله، تؤيدون هذه الفكرة وتوافقون معنا على ضرورة تغيير الوضع الحالي، أو إذا كان لديكم حلولا أفضل، فأسمعِوها لأولي الأمر وللمواطن، وفقكم الله لما فيه خير الأمة والبلاد.
أما الموضوع الثاني، فهو لا يقل أهمية عن الأول، إلا أنه أكثر تعقيدا ويحتاج إلى توعية شعبية ومجهود جبار لتصحيح الأمر الواقع. فنحن لدينا، كما تعلمون، ظاهرة غريبة، ربما لا نجد مثلها في جميع بلدان العالم، وهي كثرة عدد المتاجر الصغيرة (الدكاكين) المنتشرة عشوائيا في كل ركن وشارع من مدننا وقرانا. والباب لا يزال مفتوحا لإضافة المزيد من "كشكول الدكاكين"! ولو كان الذي يعمل فيها هم من المواطنين، لهان الأمر، لكنها جميعها مع الأسف تُدار بأيدي عمالة وافدة لا تملك من المهارات إلا البيع والشراء. وهذه العمالة التي يبلغ عددها، دون مبالغة، أكثر من مليون نسمة، تتصرف بكل حرية وكأنها في بلادها. كيف لا، وقد مُنح أغلبها من قِبل المواطنين أنفسهم حرية كاملة للبيع والشراء لحسابها مقابل مبلغ شهري ضئيل يدفعونه للمواطن الذي قام باستقدامهم ويستأجر لهم المحل التجاري باسمه. ومن اليسير أن تُميِّز هذه الفئة الأخيرة عن غيرها بمراقبة عدد ساعات العمل التي يقضونها في المحل، فهم عادة ما يقضون بين عشر ساعات و15 ساعة دون توقف. وهناك أيضا عدد كبير من الوافدين، من غير ذوي المهارات المهنية والحرفية، يعملون في المحال التجارية الصغيرة برواتب معينة تحت إدارة غير مباشرة من صاحب أو مُستأجر المحل. وأكثر ما يُميز هذه العمالة التي تحتل مراكز البيع والشراء أنها غير مُنتجة، بل إنها مستهلكة بشره عظيم، ومُنِهكة للاقتصاد الوطني. فهم بحكم وجودهم بيننا، يُشاركوننا في المأكل والمسكن والاستفادة من جميع الخدمات والمواد الغذائية المتوافرة المُعانة من قِبل خزانة الدولة.
والسؤال الذي نود طرحه هنا، هو ما فائدة بلادنا من استقدام عمالة غير ماهرة وتُصدِّر دخلها من أجور العمل وأرباحها الضخمة من عملياتها التجارية، دون أي محاسبة أو مراقبة؟ وهل يدخل هذا التصرف من جانب المواطن الذي لا يعي ولا يُراعي مقتضيات المصلحة العامة في حكم المنطق؟ ونحن لا نقترح في هذا المقام سعودة تلك المحال، بل إلغاءها كليا أو معظمها وتحويلها إلى شركات مساهمة مُتخصصة في الأنواع المختلفة من البضائع والخدمات، يشترك ويسهم فيها كل منْ يرغب من المواطنين. أما في حالة رغبة المواطن في فتح محل تجاري صغير، فيجب ألا يُسمح له بذلك إلا بشرط واحد، وهو أن يعمل هو نفسه مع أولاده في المحل أو يستأجر مواطنا سعوديا يُساعده، وضرورة تحديد ساعات العمل بما يتناسب مع قوانين العمل المعمول بها في الشركات، وما عدا ذلك فلا تأشيرات ولا استقدام. ولكن علينا أولا أن نُحدد المسار الذي يخدم مستقبلنا الاقتصادي ثم نكوِّن استراتيجية طويلة المدى يكون هدفها القضاء على هذه الفوضى التجارية التي ضررها أكبر من نفعها بمئات المرات، وإيجاد حلول مناسبة تخدم الصالح العام.
وهذه العمالة، إلى جانب كونها عالة على مجتمعنا وعلى اقتصاد بلادنا، فلوجودها بيننا مساوئ أخلاقية واجتماعية كثيرة نحن في غنى عنها، ولا سيما ونحن مقبلون بعد عدة عقود على مرحلة من حياتنا ستتميز بكثرة عدد السكان، وربما شح في الدخل. والمسؤولية في إيجاد حلول مناسبة لهذا الوضع غير الطبيعي تقع على عدة جهات، هي وزارة العمل التي تتولى إصدار التأشيرات وعلى البلديات التي تُصدر تراخيص المحال وتُحدد الشوارع التجارية وعلى وزارة التجارة التي تمنح للمواطن السجل التجاري الذي على أساسه يستطيع تقديم طلب التأشيرات المطلوبة. ويجب ألا نغفل أهمية ثقافة ووعي المواطن فيما يتعلق بالمصلحة العامة، وأن يتجنب التحايل على النظام وألا يستغل التسهيلات المتوافرة ويلهث وراء كسب بسيط يكون سببا في حدوث ضرر بالغ للاقتصاد المحلي، وأن يتحلى بالمواطنة الصالحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي