مبادرة الشؤون الاجتماعية للقضاء على البطالة

تابعت ــ كما العديد من المتابعين بلهفة ــ مبادرة وزارة الشؤون الاجتماعية الهادفة إلى القضاء على البطالة من خلال المشاركة في تأسيس عدد من البقالات في برنامج شراكة مجتمعية تؤول فائدتها الأولى للشباب، والمجتمع ثانيا. أن تتحرك وزارة ما للمساهمة في القضاء على مشكلات الشباب، أمر يحسب لها ويعد من حسنات هذه الوزارة التي تتخذ من المجتمع العنصر الرئيس في خدماتها ومسؤولياتها.
تساؤلات عديدة تظهر أمامنا كمستقلين ومتابعين عن مدى نجاح هذه المبادرة، تختلط بالدعاء المستمر أن تنجح في سبيل إيجاد حل واحد من ضمن حزمة حلول قد تأتي لاحقا في إطار تنفيذ رغبات القيادة الكريمة في تحقيق الرخاء والنفع لمواطني هذه البلاد.
لكن يبقى السؤال الذي يبحث عن تفسيرات: هل أقدمت الوزارة على هذه الحلول من خلال دراسات اقتصادية واجتماعية متخصصة، أم إنها مبادرات يتيمة؟ فمن خلال التسمية والقيمة المرصودة، يظهر لي أن المشروع لم ينل حقه من الدراسة، لأن الشاب الجامعي ليس هدفه بقالة رأسمالها 200 ألف ريال.
كان الأجدى بالوزارة, وهي من الجهات الرئيسة المطالبة بحل مشكلات المجتمع الشاب والقضاء على بطالته, أن تنحو منحى أكثر نفعا للمجتمع مع أخذ الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية في الاعتبار، للسعي إلى إعادة تشكيل ثقافة العمل الرسمية والشعبية، وللارتقاء بمستوى الخدمات الخاصة المقدمة، وللمشاركة في خلق فرص عمل تنافسية ومستديمة للشباب. وذلك قد يتحقق من خلال إنشاء شركة استثمارية مساهمة لتقديم خدمات التوزيع قد يلحقها إنشاء شركات أخرى للدعم اللوجستي.
200 ألف ريال لا تؤسس لمشروع قد يعود بالنفع على شاب يتولى مسؤوليات أسرته الصغيرة أو يسهم في مسؤوليات إخوته ووالديه. مشروع البقالة لا يحقق مبتغاه ما لم تتحقق له ميزات تنافس المتوافر حاليا، ولهذا فأي منافسة ستتطلب رأسمال أعلى من هذا المبلغ المرصود، وتحتاج إلى قوى بشرية لا تقل عن خمسة أفراد يتناوبون على إدارة وتشغيل هذه الوحدات التجارية.
الفوائد الاقتصادية من تأسيس شركة تعاونية عديدة، وأبرزها تغذية الاقتصاد الوطني بشركات كبيرة تسهم في التأثير وقيادة السوق. فالسوق المحلية في حاجة إلى شركات تتحرر من تبعات الفكر الاقتصادي القديم، ومن السيطرة العائلية التي لا تساعد على خلق قاعدة استثمارية عريضة. أيضا من الممكن أن تسهم في خلق فرص وظيفية مستديمة لقطاعات مختلفة من الشباب في مختلف المناطق، وخلق جو من المنافسة بين الشركات والمؤسسات العاملة في السوق للارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمجتمع وتطبيق مفاهيم المسؤولية الاجتماعية للمساهمة في خدمات المجتمع. وغير ذلك العديد من الميزات التي سيجنيها الاقتصاد الوطني والاقتصاديات الفردية للأسر المحيطة بهذه المشروعات.
أما الفوائد الاجتماعية فلا تقل وفرة وتميزا عن الفوائد الاقتصادية, بل إننا قد نتوسع فيها بشكل كبير, فالشاب السعودي في هذه الظروف غير مهيأ لتقبل مخاطر عالية من خلال الحصول على القروض والبدء في مشاريع صغيرة قد تجد منافسة شرسة تضطره إلى الخروج خالي الوفاض. من ناحية أخرى التقبل المجتمعي لبعض المهن لا يدعم الشباب في الإقدام والتفاني في سبيل مهن متوسطة أو فيها مخاطر عالية. بينما وجود شركة مساهمة تراعي جميع الأطراف قد يكون حلا نستثمر من خلاله العديد من المعطيات لمصلحة الشباب أولا والاقتصاد الوطني ورفاهية المواطنين ثانيا.
جميل تحرك وزارة الشؤون الاجتماعية في هذا الإطار، والأجمل أن نرى تكاملا بين الوزارات والجهات المختلفة للخروج بأفكار خلاقة تعكس حرص ورعاية قيادتنا الرشيدة، وتؤسس لنهضة اقتصادية واجتماعية نطمح إليها جميعا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي