رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مركز الرياض للتنافسية .. ترويج اقتصادنا دوليا

يتخذ العديد من الأسر السعودية من العاصمة البريطانية لندن وجهة سياحية خلال فصل الصيف؛ لما تتميز به من مراكز جذب سياحي تستهوي أطيافا مختلفة من أفرادها. من أحد مراكز الجذب السياحي هذه حديقة الهايدبارك وما تقدمه من أجواء تنزه عائلي بهيج تحت ظلال أشجار الدلب اللندني وزخات أمطار الصيف الإنجليزي.
وعلى الرغم من معالم حديقة الهايدبارك المختلفة، إلا أن الواجهة الجنوبية منها حملت موروثا تاريخيا يعود إلى عام 1851م عندما افتتحت الملكة فكتوريا، ملكة بريطانيا العظمى وإيرلندا، في الأول من أيار (مايو) ''المعرض العظيم''، مترجمةً بذلك حلم جمعية الفنون والعلوم البريطانية في إنشاء معرض صناعي يحوي مخترعات ومنتجات دول العالم الصناعية إبان الثورة الصناعية.
هدف ''المعرض العظيم'' إلى الترويج لمنتجات الدول الصناعية من خلال عرض منتجاتها تحت مظلة واحدة في تظاهرة صناعية استمرت حتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه. أسهم المعرض في نمو مبيعات منتجات الدول الصناعية؛ مما شجّع على تجوال المعرض في 58 مدينة حول العالم، كان آخرها مدينة شنجهاي الصينية تحت مسمى ''إكسبو شنجهاي 2010'' العام الماضي.
شهد المعرض خلال مسيرته مجموعة من التطورات، عاكسةً تطوّر دول العالم ونموها خلال المائة والخمسين عاما الماضية. تشير دراسات اللجنة المنظمة للمعرض، ''المكتب الدولي للمعارض''، من مقرها الرئيس في العاصمة الفرنسية باريس، إلى أن مسيرة المعرض عاصرت ثلاث مراحل، عكست كل مرحلة ما مر به العالم من تطورات في العلاقات الدولية بين دوله المختلفة على مر العصور.
سميت المرحلة الأولى مرحلة ''الإنتاج الصناعي''. استمرت هذه المرحلة خلال الفترة (1851 - 1938)، واتسمت معارضها بترويجها آخر ما توصلت إليه آلة صناعة الثورة الصناعية من منتجات صناعية ترجمة مخترعات تلك الحقبة الزمنية إلى واقع ملموس.
وسميت المرحلة الثانية مرحلة ''الموروث الثقافي''، استمرت هذه المرحلة خلال الفترة (1939 - 1987)، واتسمت معارضها بترويجها سمات وخصائص الموروث الثقافي لدول العالم المشاركة، إضافة إلى المنتجات الصناعية لهذه الدول وخدماتها التجارية.
وسميت المرحلة الثالثة مرحلة ''الهوية الوطنية''. استمرت هذه المرحلة خلال الفترة من 1988 حتى اليوم، واتسمت معارضها بتوسّع الدول المشاركة في أهدافها لتصل إلى رسم هوية وطنية في مخيلة الدول الأخرى كأرضية مجدية لترويج منتجاتها الصناعية وخدماتها التجارية، إضافة إلى موروثها الثقافي.
شهدت الدورة الرابعة والأربعون لمعرض إكسبو في مدينة أوساكا اليابانية، ''إكسبو أوساكا 1970''، أول مشاركة سعودية شملت ترويج مجموعة من المنتجات الصناعية وعرض عدد من الفنون الشعبية السعودية. استمرت المشاركة السعودية في معارض إكسبو الـ 14 اللاحقة، كان آخرها الجناح السعودي، ''سفينة النور''، في معرض ''إكسبو شنغهاي 2010''.
طرأت أخيرا على مسيرة معرض إكسبو مجموعة من المؤشرات تنبئ بدخول المعرض في مرحلة رابعة وجديدة، لعلي أطلق عليها اسم مرحلة ''تنافسية المدن'' حول العالم. يتضح ذلك من خلال عنوان معرض ''إكسبو شنغهاي 2010''، ''مدينة أفضل لحياة أفضل''؛ بهدف الترويج لمدينة شنغهاي الصينية كنموذج مؤهل لتصبح مركزا للاقتصاد العالمي في المستقبل.
لم يكن توجه مدينة شنغهاي هذا فريدا من نوعه. فقد بدأت أخيرا عدد من مدن العالم في سلوك الطريق ذاته من خلال وضع رؤية تهدف إلى بلوغها هذه المدينة أو تلك في المستقبل، ومن ثم الترويج لهذه الرؤية على الصعيد الدولي من خلال معارض إكسبو، متكاملة مع قنوات ترويجية دولية أخرى؛ بهدف تأمين الموارد الاقتصادية الدولية اللازمة لبلوغ رؤية هذه المدينة أو تلك.
من الأمثلة الجديرة بالاستشهاد في هذا السياق، تجربة مدينة الرياض في الترويج للاقتصاد السعودي من خلال سلسلة معارض ''الرياض بين الأمس واليوم'' إبان حقبة الثمانينيات الميلادية في عدد من مدن العالم المختلفة، بدءا من كولون، فشتوتجارت، هامبورج، لندن، باريس، القاهرة، الجزائر، تونس، الدار البيضاء، واشنطن، أتلاتنا، بوسطن، نيويورك، لوس أنجلوس، وأخيرا دالاس.
يعود تاريخ معرض ''الرياض بين الأمس واليوم'' إلى منتصف أيلول (سبتمبر) 1985 عندما افتتح الأمير سلمان بن عبد العزيز باكورة هذه السلسة في مدينة كولون الألمانية. أوضح سموه الكريم في كلمته الافتتاحية للمعرض الهدف من إقامته، المتمثل في ''تعميق التفاهم والصداقة بين البلدين الصديقين (السعودية وألمانيا) عن طريق نشر المعرفة بكل أبعادها؛ وذلك انطلاقا من قوله تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، (صفحة 11، العدد 4737، 17/9/1985م، صحيفة ''الجزيرة'').
اقترن اسم المعرض بمدينة الرياض، وجمع في ترويجه الاقتصادي مدن المملكة كافة. ذكر سموه الكريم في الكلمة ذاتها، ''إن ما ستشاهدونه في هذا المعرض، وإن كان يخص مدينة الرياض وحدها، فهو نموذج لتطور هائل شامل تعيشه جميع مدن المملكة، وهو جهد خارق تم في زمن قياسي، وأنجزته أيد وعقول سعودية بالتعاون مع خبرات ومهارات من مختلف أنحاء العالم وجدت في بلادنا مجالا طيبا لاستثمار خبراتها ووجدت من حكومتنا تسهيلات لا تجدها في مكان آخر''.
أسهم المعرض في تنمية العلاقات الاقتصادية بين السعودية والدول المستضيفة. على سبيل المثال، شهد حجم التبادل التجاري بين السعودية وألمانيا تحسنا ملحوظا خلال النصف الثاني من الثمانينيات الميلادية بعد إقامة المعرض في ثلاث مدن ألمانية عام 1985م. كما أسهمت جولاته الثلاث في كولون، وشتوتجارت، وهامبورج في تنشيط عمل اللجنة السعودية الألمانية المشتركة، وتمهيد الطريق نحو مشاركة المملكة في دورات معرض فرانكفورت الدولي للكتاب وتأسيس أكاديمية الملك فهد في بون.
وعلى الرغم مما حققه معرض ''الرياض بين الأمس واليوم'' من نجاحات أسهمت في دعم ترويج الاقتصاد السعودي على الصعيد الدولي، إلا أنه توقف مطلع التسعينيات الميلادية بعد دمجه مع جناح المملكة منذ ''إكسبو إشبيلية 1992'' حتى اليوم. أسهمت عملية الدمج في تقليص نفقات الترويج الدولي وتوحيد الجهود. وأسهمت في الوقت ذاته في تواضع مردود الترويج الاقتصادي؛ ما دفع بجهات سعودية عدة إلى تغطية القصور بجهود ترويجية على الصعيد الدولي متباينة في الإمكانات والنتائج.
إنه من الأهمية التأكيد على توحيد جهود ترويج الاقتصاد السعودي القائمة على الصعيد الدولي، وإعادة ترتيبها، ومن ثم إطلاقها، بما يضمن، بعون الله، جلب ما تحتاج إليه رؤية الاقتصاد السعودي في 2025 من مقومات اقتصادية مستهدفة للمشاركة بفاعلية في بلوغها. رؤية اقتصادية طموحة مفادها أن الاقتصاد السعودي سيكون بحلول 2025، بعون الله، ''اقتصادا متطورا منتعشا ومزدهرا، قائما على قواعد مستدامة، موفرا فرص عمل مجزية لجميع المواطنين القادرين على العمل، متسما بنظام تعليم وتدريب عالي الجودة والكفاءة، وعناية صحية متميزة متاحة للجميع، إضافة إلى جميع الخدمات الأخرى اللازمة لتوفير الرفاهية لجميع المواطنين، وحماية القيم الاجتماعية والدينية والحفاظ على التراث''.
مهمة توحيد وترتيب وإطلاق جهود ترويج الاقتصاد السعودي القائمة على الصعيد الدولي مهمة طموحة تستأنس أخذ مركز الرياض للتنافسية بزمام المبادرة، معيدا إلى الأذهان معارض ''الرياض بين الأمس واليوم'' بأدوات ومعايير المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي