رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الخصخصة.. خيار ظرفي أم استراتيجي؟

النمو السكاني يتطلب نموا اقتصاديا مستداما يواكب هذا النمو، وإلا فالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم السياسية نتائج متوقعة إن لم تكن حتمية، وبالتالي فإن جميع الدول تسعى لتحقيق نمو مستدام يواكب النمو السكاني، وبلادنا ليست استثناء من هذه القاعدة؛ ولكون الاقتصاد السعودي اقتصادا قائما على عوامل الإنتاج (الموارد الطبيعية الناضبة)، وحيث إن الاقتصادات القائمة على الموارد تتأثر بصفة خاصة بتقلبات دورة الاقتصاد العالمي، وما يصاحبها من تقلبات في أسعار السلع وأسعار الصرف، فإن قلق الاستدامة يشكل هاجسا كبيرا للحكومة والشعب على حد سواء، خصوصا وأن أسعار النفط شهدت تذبذبا كبيرا في أسعارها خلال الـ 40 عاما الماضية.
ويكاد يكون عقد التسعينيات من أشد الفترات التي مرت بها المملكة بعد الطفرة الاقتصادية الأولى، حيث انخفض دخل الدولة بشكل كبيرة؛ بسبب الانخفاض الشديد في أسعار النفط، الذي تلا انخفاض قيمة الدولار عام 1986 بنسبة 50 في المائة أمام عملات الدول الصناعية مثل بريطانيا وألمانيا واليابان وغيرها، والتي تعتمد عليها المملكة في توفير السلع والمنتجات، خصوصا السلع الغذائية، وفي هذه المرحلة تصاعدت قيمة الدين الداخلي إلى رقم كبير بلغ 168 مليار دولار (630 مليار ريال).
تقلب ملموس ذاقته بلادنا بسعر النفط مقرونا بانخفاض كبير في سعر صرف الدولار الذي يقيّم به سعر النفط، حفز الدولة للبحث عن حلول ناجعة للخروج من هذه المشكلة التي قد تتكرر من حين إلى آخر؛ فالمنشآت العاملة في الاقتصاديات القائمة على عوامل الإنتاج لا تلعب إلا دورا صغيرا في سلسلة القيمة، ويتعين عليها في الغالب التنافس من خلال خفض الأسعار، وبالتالي لا يمكن لدولة تنشد الاستدامة في النمو الاقتصادي أن تستند إلى هذا النوع من الاقتصاد.
ولقد كان ''التخصيص'' خيار الحكومة الاستراتيجي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وظهر على رأس قائمة الأهداف العامة لخطة التنمية السادسة (1995 - 2000)، حيث كان أحد أهدافها ''الاستمرار في تشجيع مساهمة القطاع الخاص في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية''، حيث بدأت الدولة تظهر رغبتها في إعطاء القطاع الخاص دورا أكثر أهمية من قبل، وذلك من خلال تحويل بعض شركات ومؤسسات القطاع العام المملوك للحكومة إلى القطاع الخاص بهدف تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية والجودة من خلال استغلال الموارد بالتزامن مع تدعيمه وزيادة الاهتمام به وتطوير البيئة الاستثمارية لتحفيزه ليلعب دوره في تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد في المجالات غير النفطية لخلق فرص وظيفية جديدة، وزيادة معدلات تكوين منشآت الأعمال، ومن ثم زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي المساهمة الفاعلة في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والمتوازنة المنشودة.
ولقد اتخذ مجلس الوزراء في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002 قرارا عن مشاريع تتعلق بخصخصة 20 قطاعا اقتصاديا؛ وذلك في مسعى لمعالجة العجز الذي تعاني منه ميزانية الدولة، حيث ترغب الدولة أن تستفيد من العائدات التي ستجنى من صفقات الخصخصة لتسديد الدين الداخلي الثقيل، وتشمل تلك المشاريع خصخصة المرافق والخدمات العامة، بما فيها الخدمات الصحية والاجتماعية، كما تتضمن بيع أسهم شركات حكومية كشركة الكهرباء السعودية، وفتح مجال الاتصالات وتحلية المياه والخدمات الجوية وإنشاء الطرق وتكرير النفط أمام القطاع الخاص.
وقال البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري: ''إن مشاركة القطاع الخاص، وحجم تلك المشاركة وتوقيتها ستكون مستندة إلى استراتيجية الخصخصة''، وكان المجلس الاقتصادي الأعلى في المملكة قد أقرّ استراتيجية للخصخصة في حزيران (يونيو) 2002 تضع أسسا لإجراءات الخصخصة، وتعين القطاعات التي ستعرض للبيع للقطاع الخاص السعودي والمستثمرين الأجانب، وتضع جدولا زمنيا لنقل بعض الخدمات إلى مشاريع تجارية خاصة.
جاءت الرياح بما لا تشتهي سفن الخصخصة، حيث بدأت أسعار النفط في الارتفاع التدريجي؛ الأمر الذي وفر إيرادات كبيرة تزداد شيئا فشيئا، مكّنت الحكومة من إعلان موازنات سنوية قياسية لتمويل تطوير وتشغيل المشاريع في جميع القطاعات دون عجوزات، إضافة إلى تمكن الحكومة من تسديد جزء كبير من الدين وتكوين مدخرات كبيرة فاقت 1.6 تريليون ريال، وكل ذلك ودون أدنى شك أدى إلى بطء تنفيذ استراتيجية الخصخصة في بعض القطاعات وتوقفها في قطاعات أخرى، بل إن العكس ما حصل تماما في بعض القطاعات؛ حتى حذر البنك الدولي من أن المملكة تمر بمرحلة تكوين الفيلة البيضاء، حيث لا يمكن أن تستمر البلاد بهذا الإنفاق لتطوير وتشغيل المشاريع في ظل النمو السكاني الحالي والمتوقع.
تباطؤ عمليات وتوقف ومخالفة الخصخصة أدت إلى قلق لدى النخب الاقتصادية؛ ما جعلهم يتساءلون فيما إذا كانت الخصخصة خيارا ظرفيا أم استراتيجيا؟.. وهو سؤال مشروع رغم ما تبذله الحكومة عبر أجهزتها المعنية بتحسين البيئة الاستثمارية من جهود كبيرة وحثيثة وتهيئة البيئة التي يعمل فيها القطاع الخاص، من حيث بلورة البرنامج الاقتصادي الاستراتيجي، وسَنّ الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بأنشطة الأعمال والاستثمار، والاستثمار في التجهيزات الأساسية والتعليم، والتي من المتوقع أن تحوّل الاقتصاد السعودي من الاقتصاديات القائمة على الاستثمارات إلى تلك القائمة على الإبداع والابتكار، القادرة على إنتاج سلع وخدمات مبتكرة ومتميزة موجهة للسوق العالمية.
ختاما أعتقد أنه حان الوقت أن يطرح المجلس الاقتصادي الأعلى خطة تنفيذية ذات أهداف واضحة خلال سنوات محددة لاستكمال تنفيذ استراتيجية الخصخصة في جميع القطاعات، بما في ذلك قطاعا التعليم والصحة اللذان يستهلكان نسبة كبيرة من الموازنة دون تحقيق الجودة المستهدفة، والتي تتناسب وحجم الإنفاق عليهما، كما أعتقد أن على المجلس مراجعة واقع الخصخصة في بعض القطاعات التي لم تلعب الهيئات الحكومية المنظمة لها دورا فعالا في تحقيقها بالشكل المنشود، كما هو وضع قطاع الاتصالات وقطاع النقل الجوي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي