ليلى التونسية
ما أقدر الناس على التغير والتبدل، حينما يكون المرء في القمة، يكيلون له المدائح، وعندما يسقط، يتحولون إلى وحوش ضارية لا تتوقف عن الاقتيات على جثته. يتشارك في هذه المبادئ البسطاء من الناس ومن يسمون أنفسهم نخبا في الفكر والثقافة. قبل أن يسقط نظام الرئيس العراقي، كانت المظاهرات تردد شعارات الفداء والتضحية من أجل القائد الفذ. الأشخاص أنفسهم الذين كان يمجدون صدام حسين، هم الذين خرجوا إلى الشارع وصنعوا تلك الصورة التاريخية الخاصة بتمثاله الذي تم إسقاطه وسط أهازيج مجنونة. اليوم ليلى الطرابلسي وزوجها الرئيس التونسي السابق لقيا المصير نفسه، نسي الناس كل ما كانوا يقولونه عن السيدة الأولى، تبارى الكل في نبش تاريخها، وصفوها بكلمات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها غير لائقة.
غريبون هؤلاء الناس. لا يقيمون وزنا لنبيل ولا لشخص بسيط صعد إلى القمة بعد أن كان يشاركهم الحياة نفسها. استكثر الناس على تلك المرأة ''الحلاقة'' أو ''الكوافيرة'' أن تتحول إلى حرم الرئيس. تذكروا هذه النقيصة بعد أن أصبحت السيدة الأولى جزءا من الماضي. تداول الناس على اليوتيوب صورا لممتلكاتها من سيارات وقصور، كما تداولوا خبر سرقتها لمخزون الذهب الذي ثبت فيما بعد أنه غير دقيق. ذاكرة الإنسان لديها القدرة على نسيان المواقف والأفكار، بل حتى التخلي عنها إن لزم الأمر، يتسابق الناس إلى إدانة الماضي ولعنه، والبعض يدرك أنه كان شريكا في صنع هذا الماضي. العبرة التي يمكن أن يخرج الإنسان بها، أن الحاكي الشامت قد يغدو محكيا عنه في الغد. هذا الأمر ينطبق على البسطاء أيضا. لا يمكن أن يتكئ المرء على حاضر باسم، وصحبة ضاحكة ومادحة .. فعند أول سقطة سينكرك الجميع وقد يسوقون الأكاذيب عنك، فأنت أصبحت خارج الزمن. هذا المقال ليس دفاعا عن الحالة التونسية، إنه تأمل فقط في حالات الإنسان وانتهازيته التي تجعله يتحول إلى وحش يشارك الجزارين في وليمة البعير الذي ''طاح'' فكثرت سكاكينه. رحمتك يا رب.