تكاليف تأمين المنشآت.. كيف يتم ضبطها؟
يُعدّ القرار الخاص بالاستفادة من التأمين الاختياري قراراً اقتصادياً في المقام الأول. ولذلك فإن مناسبة التأمين من عدمه ـــ حتى مع وجود الخطر ـــ تخضع لتقدير صاحب المصلحة سواء أكان فرداً أم شركة. فهناك أنواع من الخطر يمكن منعها أو الحد منها باتخاذ احتياطات معينة، وقد تكون هذه الاحتياطات أقل تتكلفة من التأمين. وهناك من المخاطر ما يكون احتمال حصولها متدنياً جداً، وهناك منها ما يكون مغطىً وفقاً لأنظمة أخرى كالتعويضات التي تقدمها الدولة للمتضررين على سبيل المثال.
والمسألة التي سأتحدث عنها في هذا المقال هي استراتيجية ضبط تتكلفة التأمين للمنشآت التي تتعامل مع شركات التأمين. ويمكن القول في البداية إن ضبط تتكلفة التأمين هي من المسائل الأساسية لإدارة العلاقة التأمينية بشكل مهني وصحيح مع شركات التأمين. وضبط التتكلفة يعني تجنب الخسارة المتمثلة في المصاريف الزائدة التي يتم دفعها لشركة التأمين، والتي يمكن تلافيها نتيجة معرفة مقدار الحاجة إلى التأمين والوثائق اللازمة لذلك، والتنسيق بين التغطيات المختلفة، واستبعاد ما يتكرر منها في الوثائق التي تنوي المنشأة إبرامها، ونقل ما يمكن نقله من أعباء تأمينية إلى الغير. كما أن ضبط التكاليف يمكن تحقيقه من خلال معرفة ما ينبغي على المنشأة دفعه لشركة التأمين على وجه الدقة على شكل أقساط أو مصاريف أخرى لإتمام عملية التعاقد، وما ينبغي التقليل منه أو خصمه أو استبعاده فيما بعد، من خلال برنامج فني ومحاسبي لإدارة الوثائق وإدارة العلاقة مع شركة التأمين.
ومن المسائل التي لا يتم الانتباه إليها من جهة المنشآت الكبيرة ما يتعلق بتعدد وتشعب وثائق التأمين التي تحتاج إليها الشركة، فهذا التعدد سبب لزيادة تتكلفة التأمين. ذلك أن استقلالية الوثيقة بتغطية خطر معين يجعلها تستقل كذلك باحتساب مصاريف متكررة يمكن تلافيها فيما لو تم تحديد مجموعة من المخاطر وإدراجها في وثيقة واحدة، وذلك شريطة أن تكون المخاطر متجانسة وذات طبيعة واحدة. ولعل أبسط مثال على ذلك تأمين الحريق، إذ إن التأمين ضد الحريق يرد على نوعين من التأمين وهما تأمين ممتلكات وتأمين مسؤولية، وكذلك الحال بالنسبة لتأمين المركبات. ولذلك فكلما قل عدد وثائق التأمين بالنسبة للمنشأة الواحدة وتم ربط المخاطر ببعضها البعض فإن هذا سيقلل من تتكلفة التأمين ويقلل من الحاجة إلى إصدار مجموعة من الوثائق. إن أفضل إجراء متبع في هذا الصدد هو إعادة صياغة مفهوم الخطر المُراد تغطيته بالتأمين بالاتفاق مع شركة التأمين وبشكل دقيق ليشمل مجموعة من المخاطر المتجانسة أو على الأقل الجمع بين بعض المخاطر تحت مظلة وثيقة واحدة مع طرح العناصر المشتركة والمتكررة والتي تزيد من تكلفة الخطر. وهذا من شأنه أن يحد من المصاريف الإضافية المتمثلة في الجهد المبذول لإصدار كل وثيقة على حدة أو تصنيف كل خطر على حدة مما يزيد من تكلفته ومن تكلفة إعادة التأمين عليه بشكل أكبر.
ومن المسائل التي ينبغي مراعاتها كذلك لضبط تكلفة التأمين مسألة ازدواجية التغطيات التأمينية التي تأتي نتيجة تعدد وثائق التأمين التي تصدرها الشركة لمصلحة عميل واحد. وتبرز ظاهرة ازدواجية التغطيات في الوثائق القياسية، إذ إن كل وثيقة تتضمن تغطيات معينة قد تشملها وثيقة أخرى مثل التغطيات الموجودة في وثيقة تأمين كافة أخطار المقاولين والتأمين الهندسي الذي يرد على العُدد والآلات، والتأمين على الممتلكات. أو مثل تأمين المسؤولية المدنية ضد الغير بشكل عام وتأمين المسؤولية الخاصة في كل مجال على حدة وما إلى ذلك. ولذلك فإن تعدد وثائق التأمين يتطلب الدقة في مراجعة نوع وحجم التغطيات في كل وثيقة، وهذا يتطلب كذلك معرفة نطاق تغطية كل وثيقة وحدودها التأمينية، إذ لا يكفي مسمى الوثيقة للدلالة على حدود كل وثيقة ومعرفة نطاق تغطياتها.