قطاع التجزئة.. المنافسة الشرسة تحرم اقتصادنا منافعه!
أكثر من ستة عشر قراراً، منها تسعة قرارات من مجلس الوزراء، وثلاثة قرارات وزارية، وأربعة تعاميم لوزارة العمل، تم إصدارها منذ عام 1415هـ لتعزيز السعودة في القطاع الخاص، أي بمعدل قرار أو تعميم كل عام، وحتى الآن ما زالت السعودة على حالها، بل إنها كلما تقدمت خطوة إلى الأمام، تراجعت خطوات كثيرة إلى الوراء. وظلت قطاعات على حالها، تسيطر عليها العمالة الأجنبية، وتحرم العمالة المحلية من فرص العمل والكسب فيها، ولو سألت أي مسؤول عن السبب في ذلك، لتفنن في ذكر الأسباب التي أدت إلى ذلك.
(الاقتصادية) فتحت أحد الملفات الاقتصادية المهمة المتعلقة بالسعودة، التي تمثل فرصا واعدة لتوظيف السعوديين، لسهولة الإحلال فيه. الواقع يقول إن هذا القطاع تسيطر عليه العمالة الأجنبية سيطرة كاملة، حيث يعمل في هذا القطاع 1.4 مليون شخص، يشكل السعوديون منهم ما نسبته 21 في المائة فقط. بالطبع، النسبة الحقيقية للسعوديين العاملين في هذا القطاع هي أقل بكثير مما تظهره الإحصاءات، وذلك عائد إلى أن نسبة كبيرة من السعوديين الذين تشملهم الأرقام هم من المتسترين، خصوصاً في أعمال البيع، التي تشكل النسبة الكبرى من هذا القطاع.
ومهن البيع، كما أشرت تشكل إحدى الركائز الأساسية في هذا القطاع، حيث تظهر البيانات أن هناك عددا كبيرا من طالبي العمل في هذا القطاع، ومع ذلك فلا تزال نسبة السعوديين العاملين فيه متدنية جداً. فحسب إحصاءات وزارة العمل عام 2009، فقد بلغ عدد طالبي العمل من السعوديين في مهن البيع 17829 مواطنا، يمثلون ما نسبته 16 في المائة من طالبي العمل من السعوديين، في حين بلغ عدد من تم توظيفهم في هذا القطاع 4658 طالب عمل، ليبلغ العدد الإجمالي للعاملين في هذا القطاع 234721 مواطناً، يشكلون ما نسبته 28 في المائة من العاملين في هذا القطاع البالغ إجمالي عددهم 832483 عاملا. طبعاً كما أشرت سابقاً، مشكلة الرقم الخاص بالسعوديين أنه لا يمثل الواقع الحقيقي، بسبب ظاهرة التستر، التي يحتسب بالتالي أصحابها في عداد العاملين في هذا القطاع.
قطاع التجزئة قطاع يعد بفرص كبيرة كما أشرت، حيث يتوقع تقرير صدر عن ''الراجحي المالية''، نمو هذا القطاع ما بين عامي 2009 و2014 بمعدل سنوي يقدر بـ 4 في المائة، لتبلغ القيمة الإجمالية له 276 مليار ريال .. هذا القطاع بالتأكيد يمثل فرصة حقيقية لخلق فرص استثمارية وفرص توظيف لجيل كبير من الشباب الداخلين لسوق العمل سنوياً. المشكلة، أن القطاع مسيطر عليه من قبل العمالة الأجنبية، ففي حين نجحت الشركات السعودية الكبيرة التي تملك قدرات إدارية كبيرة، كالمكتبات الكبيرة، والأسواق المركزية، في دخول هذا القطاع، بقيت المنافسة شرسة في وجه المواطن الفرد من قبل العمالة الأجنبية للنجاح في هذا القطاع. والغريب أن الاستقدام مستمر للعمالة الأجنبية في قطاع التجزئة. فقد بلغت نسبة التأشيرات الموافق عليها في مجال قطاع التجزئة ما نسبته 11 في المائة من إجمالي التأشيرات الموافق عليها في عام 2009، البالغة 982420 تأشيرة.
لكن لماذا يمثل هذا القطاع فرصة واعدة لخلق فرص وظيفية للشباب السعودي؟ عدة عوامل تؤكد ذلك، من أهمها النمو السكاني الكبير الذي تشهده المملكة، مما سيؤدي إلى زيادة الإنفاق في هذا القطاع، خصوصاً من قبل الفئات العمرية الصغيرة، بالنظر إلى التغير الكبير في الأذواق وأنماط الاستهلاك لديهم. وبحكم أن هذا القطاع يعتمد بشكل كبير على نشاط البيع، الذي لا يتطلب استثمارات كبيرة من قبل المنشآت في تدريب العاملين، فإنه يمثل فرصة حقيقية لتطبيق مبدأ الإحلال المباشر. كثير من المستثمرين في هذا القطاع قد لا يعجبهم هذا الرأي، نظراً إلى المزايا التي يتمتعون بها بتشغيل العمالة الأجنبية ساعات طويلة، وبرواتب رخيصة جداً، مما يعني أن إجبارهم على توظيف السعوديين، سيؤدي حسب اعتقادهم إلى تدني كبير في أرباحهم. بالطبع هذه نظرة قاصرة، بالنظر إلى أن زيادة توظيف الشباب السعودي تمثل فرصة حقيقية لزيادة الإنفاق بشكل كبير في هذا القطاع، حيث إن إنفاق المواطن السعودي ارتفع بما نسبته 70 في المائة تقريباً في قطاع التجزئة خلال أربع سنوات فقط من معدل 1825 دولارا عام 2005 إلى معدل 2439 دولارا للفرد. أي أن ما ينفقه المستثمرون في توظيف المواطن، سيعود عليهم بالعائد من جهة أخرى.