مركز الرياض للتنافسية .. بماذا ستتميز العاصمة؟
هناك ثقافة قديمة في سمرقند مفادها أنه حين تصادف المرأة الحامل رجلاً غريباً تروق لها سماته أو خصائصه، فإنها تتجرأ على مشاطرته طعامه بهدف أن يحمل جنينها هذه السمات أو الخصائص. والعهدة على أمين معلوف في روايته سمرقند, فالثقافة الأوزبكية تحمل مخزونا من التقاليد الجديرة بالتأمل.
سمرقند هي ثاني أكبر مدينة أوزبكية يبلغ سكانها قرابة 400 ألف نسمة. وصفها ابن بطوطة بقوله: ''إنها من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالاً، مبنية على شاطئ وادٍ يعرف بوادي القصَّارين، وكانت تضم قصورا عظيمة، وعمارة تُنْبِئ عن هِمَم أهلها''.
تحمل سمرقند ثقافات عريقة عطفاً على تعدد الثقافات التي حكمتها، بدءا من جبال ألطاي في آسيا الوسطى، والأتراك، والفتح الإسلامي، والغزو المغولي، والاحتلال الروسي، وأخيرا جمهورية أوزبكستان الإسلامية.
وعلى الرغم من غرابة هذه الثقافة الأوزبكية، إلا أنني حاكيت بها مستقبل مدينة الرياض، وإمكانية أن تحاكي مدينة الرياض أجمل السمات والخصائص في مدن العالم المختلفة لتصبح في المستقبل أنموذجاً يحوي جميع السمات والخصائص الجميلة في مدن العالم، وتساءلت: بماذا ستتميز الرياض عن عواصم العالم؟ هل ستتميز سياسياً أم اقتصادياً أم مالياً أم صناعياً أم ثقافياً, أم جميعها معاً؟
فالرياض على الرغم من شدة حرارة صيفها وبردوة شتائها، وانخفاض معدل رطوبتها، وقلة كميات أمطارها طول العام، إلا أنها تشكل نقطة هجرة شديدة أسهمت في إحداث سمتين رئيستين للخصائص السكانية لمدينة الرياض. الأولى معدلات نمو سكانية عالية جداً تفوق 8 في المائة سنوياً، والثانية معدلات تغيرات نوعية طرأت على نمط المعيشة لسكان مدينة الرياض مقارنة بمدن المملكة الأخرى.
من أهم الأسباب للجذب ما تمتلكه مدينة الرياض من قاعدة عريضة من قطاعات إنتاجية مختلفة أسهمت في وصول الرياض إلى الوضع الذي نشاهده الآن. من أهم هذه القطاعات الإنتاجية قطاعات الكهرباء، والمياه، والخدمات المالية، والصناعات التحويلية، والتطوير العقاري، والزراعة، والتجارة، والتشييد والبناء، والسياحة والآثار، والخدمات التعليمية.
تعود أهمية هذه القطاعات الإنتاجية إلى حجم وجودها في مدينة الرياض مقارنة بوجودها في باقي مناطق المملكة. يشير تقرير ''المناخ الاستثماري في مدينة الرياض 1430هـ'' الصادر من الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، إلى سمات القطاعات الإنتاجية في مدينة الرياض. ويشير التقرير إلى حصة المنطقة الوسطى من إجمالي حصة جميع مناطق المملكة من قطاع الكهرباء، حيث تحتضن المنطقة الوسطى قرابة 21 في المائة من إجمالي الطاقة الكهربائية المباعة، و31 في المائة من إجمالي عدد المشتركين، و33 في المائة من إجمالي طول شبكة النقل. ومالياً، تحتضن مدينة الرياض معظم المقار الرئيسة للمصارف التجارية، والشركات الاستثمارية، وشركات التأمين، ومؤسسة النقد العربي السعودي، وهيئة السوق المالية، وصناديق الإقراض الحكومي، ومؤسسات مالية دولية مختلفة، وأخيراً مركز الملك عبد الله المالي, أسهمت جميع هذه المقومات في جعل مدينة الرياض مركزاً مالياً مرموقاً.
وصناعياً، تحتضن مدينة الرياض مدينتين صناعيتين. وتشكل طلبات إنشاء مصانع جديدة في مدينة الرياض الواردة لهيئة المدن الصناعية قرابة 75 في المائة من إجمالي الطلبات التي وردت إلى الهيئة. كما احتضنت مدينة الرياض قرابة 23 في المائة من إجمالي قيمة القروض، و27 في المائة من إجمالي عدد القروض المقدمة من صندوق التنمية الصناعية منذ تأسيسه حتى 2007.
وعقارياً، تتميز مدينة الرياض بانقسام أراضيها إلى ثلاثة أنواع: أراض مستعملة (44 %)، وأراض مخططة (25 %)، وأراض غير مخططة وقابلة للتطوير (31 %). تحظى هذه الأراضي بقرابة 28 في المائة من إجمالي رخص البناء الصادرة في المملكة. وبوجود قرابة 49 في المائة من المقاولين السعوديين المصنفين في مدينة الرياض.
وزراعياً، ينتج القطاع الزراعي في مدينة الرياض قرابة 35 في المائة من إجمالي الإنتاج الزراعي في المملكة، و74 في المائة من إجمالي إنتاج الحليب ومشتقاته في المملكة، و15 في المائة من إنتاج العسل في المملكة. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن الأراضي الزراعية في مدينة الرياض انخفضت خلال العقد الماضي، عطفاً على مجموعة من التحديات, التي من أهمها توافر المياه.
مدينة الرياض تتغذى على نوعين من مياه الشرب: مياه البحر المحلاة (قرابة 60 %) ومياه الآبار (قرابة 40 %). وتغطي مياه الشرب هذه قرابة 73 في المائة من مساحة المدينة، وتغطي في الوقت ذاته شبكات الصرف الصحي قرابة 38 في المائة من مدينة الرياض. وعلى الرغم من عدد وحجم المشاريع المجدولة ضمن المخطط الإرشادي المتعلق بالصرف الصحي لمدينة الرياض وما سينتج عن تخصيص قطاع المياه، إلا أن جغرافية مدينة الرياض تجعل من المياه أحد أهم التحديات التي ستواجه مدينة الرياض في المستقبل.
تتميز مدينة الرياض أيضا بمكانتها السياسية كونها تحتضن المقار الرئيسة للوزارات والهيئات الحكومية، والسفارات الأجنبية، والمؤسسات والهيئات الدولية الموجودة في المنطقة. تضاف إلى ذلك سمات مدينة الرياض التجارية، والسياحية، والتعليمية المختلفة.
تجارياً، بوجود قرابة 15 في المائة من المؤسسات والشركات القائمة السعودية. وسياحياً، بوجود مجموعة من مقومات السياحة التاريخية، والثقافية، والترفيهية، والعلاجية، وسياحة المؤتمرات. وتعليمياً، بوجود قرابة 20 في المائة من إجمالي الطلاب المنتظمين في مؤسسات التعليم العالي والتقني، موزعين على قرابة 20 مؤسسة تعليمية.
تقودنا جميع هذه السمات والخصائص لمدينة الرياض إلى النظر في رؤية مدينة الرياض، حسبما ورد في المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض الصادر من الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض قبل خمسة أعوام. تهدف هذه الرؤية إلى جعل مدينة الرياض عاصمة سياسية، وإنسانية، وعصرية، وثقافية، ومالية، وعمرانية.
وعلى الرغم من جهود الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وطموح رؤية المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض في جعلها مدينة الرياض عاصمة سياسية، وإنسانية، وعصرية، وثقافية، ومالية، وعمرانية في آن واحد، إلا أنه من الأهمية التأكيد على أهمية التركيز على سمات وخصائص مستهدفة محددة بما يضمن الاستثمار الأمثل لموارد مدينة الرياض واستدامتها. تساؤلات أضعها على طاولة مركز الرياض للتنافسية قبيل أيام من انطلاقته لبلوغ رؤية الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض في ''الرفع من تنافسية مدينة الرياض''. تساؤلات ذات أرضية ثقة بالقائمين على المركز ببلوغ الرؤية وتفاؤل بتحقيق الأهداف.