لنحفّز أمانة جدة لتؤدي الأمانة
عندما يحلل الرياضيون مباراة كرة قدم خسر فيها فريقهم فإنهم يحللون مجرياتها في إطار سلبي يبدي المساوئ فيركزون على إظهار السلبيات ولا يلتفتون إلى الإيجابيات. وهكذا في كل ميدان، الأطر السلبية مهما كان سببها تؤدي إلى سيادة عين الغضب على حساب عين الرضا، وبالتالي سيادة القراءات السلبية على حساب الإيجابية أو لنقل المنطقية، بل حتى سيادة القرارات الحاسمة السريعة على حساب القرارات المدروسة.
وللأطر السلبية الناشئة عن الأسباب المؤلمة ــ خصوصاً المتكرر منها كالكوارث الطبيعية مثلاً ــ بُعدان أحدهما إيجابي, حيث يتم حشد جهود كل الجهات المعنية لمعالجة الأسباب من جذورها عبر التحرك بشكل شمولي لمعالجة المشكلات التي تفاقمت بشكل مخجل ومؤلم لرفع الحرج عن المسؤولين والمعاناة عن المواطنين. والثاني سلبي, حيث تعاني الجهات المعنية بحل المشكلة ضغطا كبيرا من المتضررين، إضافة إلى ضغط الرأي العام وصُنَّاعه لدرجة تحميلهم تبعات أسلافهم الذين عملوا في ظروف ومعطيات مختلفة تماماً. وهو أمر يجعلهم يعملون على صفيح ساخن يفقدهم القدرة على التحليل العلمي والتخطيط السليم والتنفيذ الجيد المرحلي المنطقي، كما يضعهم تحت النقد السلبي المستمر الذي يصل إلى درجة الجلد، حتى إن أحسنوا، بدل التقدير المحفز لمزيد من العمل والإنجاز، الأمر الذي يفقدهم التوازن.
القائمون على أمانة جدة حالياً ينعمون بدعم كبير من الدولة وجميع أجهزتها المعنية لمعالجة مشكلاتها بعد مأساة السيول العام الماضي التي كشفت هشاشة البنية التحتية، وتبعات سوء إدارة من سبقهم، والمقرون بالفساد المالي على واقع جدة، التي جعلت من بعض أحيائها مكاناً لا يصلح لعيش الإنسان, فضلاً عن تنميته. وللسبب ذاته فهم يعانون ضغطا كبيرا من الرأي العام وصُنَّاعه الذين يقرأون كل ما تفعله الأمانة في إطار الأحداث السلبية المتلاحقة نتيجة الكم الهائل والكبير من المشكلات التي تعانيها مدينة جدة, حيث تنتشر فيها نحو 53 عشوائية تفتقد أبسط معايير التطوير العمراني، التي باتت محضناً للجريمة ومخالفة الأنظمة، وحيث انعدمت شبكة الصرف الصحي، وشبكات تصريف الأمطار لأحياء ومخططات قامت على مجرى السيول والأودية، والاختناقات المرورية التي نشأت بفعل توقف إنشاء الأنفاق والجسور لأكثر من 20 عاما, كما صرح أمين جدة السابق.
في ظل هذه المعطيات نريد اليوم من الأمانة أن تؤدي الأمانة، وبكل تأكيد علينا إضافة إلى دعمها من قبل أجهزة الدولة, أن نحفزها كمواطنين وكصناع رأي, لتأدية هذه الأمانة بشكل مخطط بأوقات مثلى، ومطالبة الجهات المعنية بتوفير متطلبات تحقيق هذه الخطط بالأوقات المستهدفة لمعالجة المشكلات التي تراكمت بسبب عدم مواكبة البنية التحتية نمو مدينة جدة التي لم تحظ خلال العقود الماضية بخطط تراعي مستقبل حجم الطلب على الخدمات نتيجة للنمو السكاني.
ومن أمثلة المشكلات التي تحتاج إلى دعم من صناع الرأي ـ من وجهة نظري ـ مشكلة العشوائيات التي طورت أمانة جدة حلولاً ذكية لها عبر شراكات بين القطاعين الحكومي والخاص، حيث أُعلن عن مشروع تطوير عشوائية قصر خزام، ومشروع تطوير حي الرويس وانطلق العمل فيهما، إلا أنه بعد وقوع الأزمة المالية العالمية, التي أدت إلى شح مصادر التمويل لمثل هذه المشاريع, تباطأ العمل فيهما بشكل جعل الكثير من صُنَّاع الرأي يتساءلون عما إذا كانت الهمة قد فترت أم أن الجهات المعنية قد صرفت النظر عن المضي قدماً في معالجتها. ونحن نعلم أن العملية تحتاج إلى تمويل كبير لا يمكن أن يتوافر بسهولة دون مبادرة حكومية للمساهمة في التمويل من جهة، وتحفيز الممولين من جهة أخرى.
ومن أمثلة المشكلات التي تواجه الأمانة وتحتاج إلى دعم من صناع الرأي أيضاً، ضرورة تطوير نظام المشتريات والعقود الحكومية مع المقاولين لتجاوز المشكلات المتولدة من الأنظمة الحالية التي تؤدي إلى إيقاف الكثير من المشاريع التي ما أن يبدأ العمل فيها حتى تتوقف لشهور أو لسنوات بسبب ضعف جودة الإنجاز لسوء اختيار المقاولين الذين ترسو عليهم العطاءات، لأنهم الأقل سعراً رغم أنهم الأقل كفاءة، وبسبب العقود الإذعانية التي تحمي حقوق الدولة على حساب حقوق المقاول الذي يتهرب من مسؤولياته حال شعوره بالإجحاف. وكلنا يعلم أن هذه المشكلات تؤدي إلى تأخر إنجاز مشاريع الجسور والأنفاق والطرق والصرف الصحي وتصريف السيول والحدائق وغيرها ما يعزز حالة الغضب لرداءة الخدمات, حيث لم تحظ جدة بخدمات بنية تحتية ملائمة للمياه والصرف الصحي والكهرباء والاتصالات والصرف السطحي، وافتقرت إلى التخطيط المتكامل لإدارة المرافق لأكثر من عقدين من الزمان.
مشكلات جدة كثيرة وشائكة وتحتاج إلى حلول ذكية تستثمر كل الإمكانات المتوافرة، سواء الإمكانات المحلية المتاحة للقطاع الحكومي والقطاع الخاص بما في ذلك مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، والجامعات العلمية والبحثية، أو تلك الإمكانات العالمية بالاستفادة من تجارب الدول الصناعية التي تعاني مشكلات مشابهة مثل البرازيل والأرجنتين والهند وغيرها. وأعتقد أن حل هذه المشكلات أصبح أكثر إلحاحاً في ظل التغيرات المناخية التي تجتاح العالم، والتي أدت إلى انتشار الأعاصير والفيضانات بشكل مقلق.
ختاماً، ما أرجوه من أمانة جدة وفي سبيل نهوضها بالأمانة في تطوير مدينة جدة أن تطرح خطتها عبر الوسائل الإعلامية وتعرض عوائق تنفيذها، كما أرجو من صناع الرأي وأعيان جدة دعم أمانة جدة, التي حقق القائمون عليها نجاحات مبشرة في وقت قصير لتوفير الإمكانات اللازمة لتنفيذ خططها ومساعدتها على إزالة المعوقات، وتقدير الإنجازات التي تحققت من جهة أخرى، فالتقدير كما هو معلوم السحر الأبيض الذي يحفز الموظفين للمزيد من العطاء والإنجاز، وعلينا أن نوفره لهم بدلاً من الضغط المثبط للهمم, الذي لن يكون له أي مردود إيجابي على جدة وسكانها بحال من الأحوال.