رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


نقاش حول برنامج «ساهر» في ضبط المخالفات (1)

الحمد لله الذي سخر لنا ما فيه النفع والفائدة، وأرشدنا إلى حسن استغلال ذلك بفكر نير وعقل مدرك للخير والشر، وبعد، فإنه منذ بدء تطبيق برنامج وخطط ''ساهر'' في ضبط المخالفات بشكل تدريجي على من يتجاوز السرعة القصوى المحددة، فقد تذمر الكثيرون من هذا الرصد الفجائي عن طريق كاميرات بمركبات عادية متنقلة من مكان إلى آخر، وكأن البرنامج خطط له بأسلوب الترصد وليس الرصد والضبط من أجل أخذ مبالغ كبيرة، فكانت السلبيات أكثر من الإيجابيات؛ وذلك لأنه لم تسبق ذلك توعية كاملة، واتخاذ كل الترتيبات الضرورية واللازمة لوضع لوحات إرشادية بالسرعة القصوى في كل طريق وشارع، وبشكل واضح يراه كل سائق، وكنت ممن تذمر واستغرب، ولم أكتب عن ذلك في الصحافة، رغم إلحاح كثير من الأصدقاء، وإنما قمت بكتابة مذكرة اعتراض إلى رئيس هيئة الفصل في المنازعات والقضايا والمخالفات المرورية، وذلك بشأن ما سجل من مخالفتين واحدة على السائق، والأخرى على أحد أبنائي وسجلت عليّ باعتبار كل من السيارتين باسمي، وكان الاعتراض في ضوء ما سمعته من ابني والسائق عندما أكدا لي عدم تجاوز السرعة، وكان هذا بتاريخ 28/5/1431هـ الموافق12/5/2010، والمهم في الأمر أنني ذهبت شخصيا لإدارة المرور، وقدمت الاعتراض، ولم يُستلم مني في البداية، وقال المسؤول عن هيئة الفصل في المنازعات: ''الأفضل الاطلاع على التصوير''، فقلت له استلم مذكرة الاعتراض، وسأطلع على التصوير فإن اقتنعت بصحة المخالفتين، فإني لن أتابع النظر في الخصومة، لكن في المذكرة ملحوظات يجب أن تأخذ إدارة المرور العلم عنها باعتبارها تقصيرا من الإدارة، والذي بنيت عليه الاعتراض عندما قلت ما نصه (... لا يمكن القبول ''بالمخالفتين''؛ لأن المرور هو الذي خالف التعليمات بعدم وضع لوحات تحذيرية عن مستوى السرعة القصوى باعتبار ذلك من أهم آليات تطبيق برنامج ''ساهر''، الذي لم تُتخذ بشأنه التوعية والإعلانات والتوجيهات التي تكفل حسن التطبيق، وسلامة ودقة توجيه الاتهامات بعد التوعية؛ حتى لا يحصل ظلم وسوء تطبيق)، ولا أدري إن كان ذلك قد بلغ للإدارة المعنية في جهاز المرور أم لا؟.. وأعتقد أن كثيرا من الناس قالوا ذلك في المجالس، وفي المنتديات التي يثار فيها النقاش عن تطبيق برنامج وخطط ''ساهر''، بل كُتبت مقالات فيها الكثير من النقد إلى درجة أن وصف ما يحصل بأنه جباية لأموال بالمخالفة للنظام، وذلك لكثرة السلبيات الحاصلة؛ ولأن هناك من النقد ما يُعد فيه شيء من عدم فهم علاقة الشركة المنفذة للبرنامج والخطط في وزارة الداخلية (الإدارة العامة للمرور)، ودور الشركة التنفيذي، فإن هذا يستلزم المناقشة والتوضيح من الناحية النظامية، وكذلك التطرق لإيجابيات وسلبيات تنفيذ البرنامج والخطط بما يوضح مدى نجاح أو إخفاق البرنامج وخططه التنفيذية ليحكم بعد ذلك بالحكم الصحيح بما يحقق المصلحة العامة متى كانت الإيجابيات تفوق السلبيات؛ وذلك لأن الشخص المثقف يعرف أن لكل عمل ونشاط إيجابيات وسلبيات مهما بذل من جهد، وفي ضوء ما سمعت وقرأت من مقالات حول برنامج وخطط ''ساهر''، فإني سأسهم في النقاش متوخيا أن يكون طرحي موضوعيا ويتسم بالحياد والتجرد، والأفضل أن أبدأ بتوضيح دور الشركة المنفذة لعمليات ضبط المخالفات، وعلاقتها بوزارة الداخلية (الإدارة العامة للمرور)، فقد قرأت في مقال للدكتور عبد العزير الجار الله بعنوان ''ساهر وتدخل الشورى'' في صحيفة ''الجزيرة'' بتاريخ 1/2/1432 هـ الموافق 5/1/2011، الذي تطرق فيه إلى نقاش بين اثنين من أعضاء مجلس الشورى، أحدهما فهم أن دور الشركة المنفذة لبرنامج وخطط (ساهر) بأنه ( نظام) فقال: ''إن لجنة غير متخصصة بسن الأنظمة أقرت ''ساهر'' وطبقته، وإن أنظمة المملكة لم تطبق على ''ساهر''؛ إذ يتوجب صدور مرسوم ملكي بشأنه وفقا للإجراءات المتبعة..''، وإزاء هذا الطرح فإني أقول إن ما تقوم به الشركة المنفذة لـ ''ساهر'' لا يُعد نظاما بالمفهوم الصحيح، إنما برنامج وخطط أتفق عليها بين طرفين، وزارة الداخلية (الإدارة العامة للمرور)، وشركة معينة بموجب عقد يحكم العلاقة بين الطرفين، ودور الشركة القيام بضبط المخالفات المرورية بآليات وتقنية فنية نيابة عن رجال المرور التي تكون أدق من الضبط الذي يتم من قبل بعض رجال المرور، ودور الشركة يقتصر - فقط - على ضبط المخالفات والتبليغ عنها لإدارة المرور التي تقوم بتحصيل الغرامات (العقوبات المالية) بموجب ما هو منصوص عليه في نظام المرور ولائحته التنفيذية في حدود ما خوّل من صلاحيات واضحة بحيث لا يتعارض ما يتم تحصيله من مبالغ مع نص المادة 38 من النظام الأساسي للحكم، التي تقضي بأن ''العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي، أو نص نظامي...''؛ ولأن الغرامات المالية عقوبات جزائية فلا بد أن يكون منصوصا عليها صراحة في نظام المرور، أو في اللائحة التنفيذية وفق الصلاحيات المخوّلة ودون أي اجتهادات تخالف النصوص، ويترتب عليها زيادة أو إنقاص مبلغ العقوبة، فإن حصل تجاوز فإن هذا يعد مخالفة من إدارة المرور، فالشركة مقصور دورها على ضبط المخالفة والتبليغ عنها فقط وفق ما نص عليه في العقد الموقع.
وحيث إنني لم أطلع على العقد لمعرفة ما تتقاضاه الشركة من مبالغ لقاء عملها والتجهيزات التي فرضت عليها، فإنه حسبما سمعته أن الشركة تأخذ نسبة مئوية من قيمة الغرامات المحصلة من المخالفين خلال مدة حددت في العقد بسنوات معينة، فإن صح هذا القول فإن هذا في تقديري يُعد مثلبا معيبا في العقد يجعل الشركة ترى أن ضبط المخالفات غاية، وليس وسيلة للحد من المخالفات كي تحصل على أكبر مبلغ ممكن خلال المدة المحددة في العقد تغطي تكاليف التجهيزات وصيانتها، والجهود التي تبذلها، وما تحتاج إليها من مصروفات نقدية من رواتب وبدلات للعاملين مع أرباح كبيرة تجاوز ما توقعته، وهذا يجعل الشركة توجه العاملين بأن ينتهجوا أسلوب الترصد والتحايل لضبط المخالفات خلسة بالتخفي في مركبات عادية، في حين من الواجب أن تكون ظاهرة ومعلومة حتى يعلم بها السائق فيمتثل في عدم المخالفة، وينتظم في قيادة المركبة، الذي يعد الغاية والهدف من وجود التجهيزات (الكاميرات) سواء كانت في مركبات، أو مركبة في جوانب الطرق والشوارع، أو فوق الكباري، أو أسفل في الأنفاق، فالغاية والهدف هو الحد من المخالفات إن لم يكن القضاء عليها، وما يتم من قبل الشركة مجرد وسائل لتحقيق الغايات والأهداف، فإن حصل العكس بأن كان تحصيل الغرامات هو الهدف، فإن هذا يُعد نوعا من العبث لما يتسم به من استغلال وكيد وتحايل وترصد الفرص، وبالتالي يكون الفشل للبرنامج والخطط التنفيذية، ويكثر التذمر والشكاوى من الناس ضد ما يتخذ، ولا حل للمشكلة والقضايا إلا بالتريث في تحصيل الغرامات حتى يفصل في النزاع من المحكمة المختصة بعد سماع الادعاء ودفاعه، وسماع رد المدعى عليه ودفوعه، وأن يكون ذلك أمام القضاء، وليس أمام لجنة أو هيئة؛ وذلك لأن نظام القضاء الجديد الصادر عام 1428 هـ قد نص في المادة (19) أن ''تؤلف المحاكم العامة في المناطق من دوائر متخصصة...''، من بينها دائرة ''..للفصل في الدعاوى الناشئة عن حوادث السير وعن المخالفات المنصوص عليها في نظام المرور ولائحته التنفيذية..''؛ ولأن هذه الدوائر لم تنشأ بعد، فيمكن إحالة الدعوى إلى المحكمة العامة للنظر فيها، وفي ذلك إحقاق للحق، ودفع للظلم، وتحقيق للعدل والإنصاف.
وتجنبا للإطالة أكتفي بما تقدم ذكره، وسأواصل في المقال الثاني الحديث عن الإيجابيات والسلبيات لبرنامج ''ساهر''، والرد على التعليقات والمداخلات التي تتطرق لصلب الموضوع، وذات طرح مفيد، والله الموفق، والهادي إلى الطريق القويم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي