رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


من أجل علاقة سوية بين المُنفِق الأكبر والمُوظِف الأكبر

أحد الأصدقاء ممن اختار العمل في القطاع الخاص ذاتيا عبر الاستثمار في شركة متوسطة الحجم يقول إن عام 2010 كان الأسوأ من حيث العمل والإيرادات, أما الأرباح فتحولت إلى خسائر, ودائما ما يتساءل: أين يذهب الإنفاق الحكومي الكبير؟ ولماذا لا ينعكس على النشاط الاقتصادي المحلي؟ يقول هذا بعدما انطلق في عملية تقليص شديدة للنفقات تشتمل على إنهاء خدمات موظفين وتخفيض رواتب آخرين.
مجموعة أخرى من المستثمرين الذي يعتمدون على رأسمالهم الفكري في استثماراتهم يقولون إنهم قلصوا الوظائف في مؤسساتهم, بل إنهم اتجهوا للعمل من المنزل لتخفيض المصروفات بعد انكماش النشاط الاقتصادي في قطاعاتهم بشكل كبير بسبب الأزمة المالية رغم الإنفاق الحكومي الكبير والموازنات المتزايدة سنويا، كذلك التعليقات على موازنة عام 2011 القياسية التي عبر المواطنون من خلالها عن عدم رضاهم بسبب عدم انعكاس هذه الموازنات الكبرى على مشكلاتهم وهمومهم، خصوصا من جهة توفير الوظائف ومن جهة تحسن مستوى معيشتهم.
وأقول وبكل صراحة إننا أمام مفارقة الموازنات الكبرى وضعف أثرها في حياة المواطن, فهذه الطفرة في الإيرادات لم تنعكس على المواطنين كما انعكست الطفرة الأولى في السبعينيات, حيث لمس كل مواطن أثر تلك الطفرة في حياته بشكل مباشر وغير مباشر, فنحن نعاني اليوم بطالة تزيد على 10 في المائة, ونحن ننعم بأعلى عائدات نفطية وموازنات غير مسبوقة وإنفاق حكومي سخي, والخشية من زيادة هذه النسبة قائمة، ويعاني المواطنون من الطبقة المتوسطة وما دونها تضخما محليا وآخر مستوردا مقرونا بتناقض مدهش من حيث تصدي الحكومة لأسبابه, حيث تسعى الحكومة لإنزال أسعار العقارات المملوكة للقطاع الخاص (شركات ــ أفراد) كأحد أكبر المتهمين بأسباب التضخم محلي المصدر في حين ترفع فاتورة المياه التي لا غنى لمواطن عنها رغم أن الشركة الوطنية للمياه مملوكة بالكامل للدولة, ففواتير المياه زادت دون إيضاحات ودون مبررات.
ولنركز على البطالة التي باتت هم الشباب والشابات وآبائهم كما هي هم المسؤولين سواء بسواء.
التوقعات تقول إن معدلات نمو الطلب على الوظائف من قبل المواطنين أعلى من معدلات نمو الوظائف التي يقبل عليها المواطنون من حيث النوع ومن حيث الدخل الشهري، فعدد السكان السعوديين يزداد بمعدل 400 ألف فرد سنوياً تقريبا، ورغم المستويات الهائلة ـــ كما يقول تقرير صادر العام الماضي عن البنك الفرنسي ــ الذي يساعد على دعم التوسيع المستدام للقطاع الخاص, إلا أنّ معظم منافع هذا الإنفاق تقتصر حالياً على بضع شركات كبيرة تنشط في قطاعات محدّدة، ما يجعل من الصعب على الشركات الصغيرة والمتوسطة أنْ تستفيد من الأموال العامة التي تُضخّ في الاقتصاد المحلي.
الشركات الصغيرة والمتوسطة تمثل جزءا حيويًا من الاقتصاد المحلي وتأثيرها الكلي مهم للغاية, فهي الموظِف الأكبر في القطاع الخاص السعودي الذي يعتبر الموظِف الأكبر بالنسبة للقطاع الحكومي وقطاع المؤسسات المدنية (ثلاثة ملايين موظف في القطاع الخاص الخالص وشبه الخاص مقابل نحو 900 ألف موظف حكومي)، والشركات الصغيرة والمتوسطة, إضافة إلى الشركات الكبيرة في وضعها الحالي (ضعف التمويل وضيق قنوات الإنفاق الحكومي) لا تستطيع أن تولد فرصا وظيفية تتناسب ومعدلات نمو الطلب على الوظائف، وبالتالي فإن العلاقة كما يبدو لي بين المُنفِق الأكبر (الحكومة) والمُوظِف الأكبر (القطاع الخاص) تشهد تشتتا لا تكاملا من جهة الحد من البطالة وآثارها ومن جهة استثمار مخرجات الإنفاق الهائل على تأهيل الموارد البشرية الوطنية.
الآثار الإيجابية المضاعفة للإنفاق الحكومي السخي لا يمكن أن تظهر على القطاع الخاصّ من جهة النمو والتوسع, وبالتالي المحافظة على الوظائف الحالية وتوليد المزيد من الوظائف المناسبة إلا إذا تعزّزت مشاركة شركات القطاع الخاص الكبيرة والمتوسطة والصغيرة في جميع القطاعات الاقتصادية, وهو ما لا يكون إلا بإيجاد علاقة سوية بين المُنفِق الأكبر والمُوظِف الأكبر تتناسب والمعطيات الحالية والتوقعات المستقبلية من جهة سياسات الإنفاق ومجالاتها ومن جهة تحفيز الأنشطة الاقتصادية بكل البدائل الأخرى المتاحة, وهي كثيرة ومتعددة.
التوقعات تقول إن أسعار النفط ستكون على ما يرام في العشرين سنة القادمة, وبالتالي فلا خوف ـــ بإذن الله ـــ من انخفاض حاد في إيرادات الموازنة الحكومية, وهي مدة كافية تمكننا من التحول من ذهنية التخطيط قصير الأجل إلى التخطيط طويل الأجل لمدة تصل إلى نحو 20 عاما، وبالتالي فنحن أمام فرصة تاريخية علينا اغتنامها لتكوين قطاع خاص قوي ومستدام ينهض بالمهام المتوقع أن يقوم بها على أكمل وجه.
ختاما نحن نصبو إلى إطلاق خطة تحفيز حكومية متعددة الأدوات لتنمية شركات القطاع الخاص لتوسيع أنشطتها الاقتصادية بدل أن توقفها أو تقلصها أو تمددها زمنيا, كما نرى حاليا, حتى تبقى قادرة على استيعاب القوى العاملة الحالية والقادمة بدل أن تسرح موظفيها وتقلص رواتب الباقين لمواجهة تحديات الأزمة التي بدأت تزداد حدتها على الشركات الصغيرة والمتوسطة, فضلا عن الكبيرة في ظل شروط التمويل القاسية التي تفرضها المؤسسات المالية المحلية وانحسار التمويل الخارجي وإلا فإن البطالة المحبطة والمحطمة للشباب والمهدرة لمصروفات التأهيل الهائلة التي تنفقها الدولة ستنخر بالواقع الاقتصادي والاجتماعي, حيث تعد نسبة الإعالة في السعودية الأعلى مقارنة بدول العالم الأخرى، فما يقارب 25 في المائة من السعوديين يعملون كي ينفقوا دخلهم على إعالة 75 في المائة من أفراد أسرهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي