هل من جدوى للهيئات الشرعية في التأمين؟

عندما دخل التأمين منظومة الاقتصاد السعودي، كانت شرعية التأمين الشغل الشاغل لكثير من المعنيين بالتأمين. وعندما تم تنظيم السوق فإن الجدل بقي قائما حول نوعين لا غير من التأمين، وهما التأمين التعاوني والتأمين التجاري. وبالرغم من وضوح هذين المسميين إلا أن أحدا لم يستطع أن يصل إلى تفرقة عملية محددة بينهما وقابلة للتطبيق على أرض الواقع.
وفي الحقيقة فإن نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني الصادر عام 1424هـ لم يُسعف كثيرا في فهم تعاونية التأمين الذي نصت عليه فتوى هيئة كبار العلماء الصادرة عام 1397هـ والتي تعمل وفقا لها شركة التعاونية للتأمين والتي أحال النظام إلى ما هو موجود في نظام هذه الشركة. كما أن اللائحة التنفيذية للنظام زادت من الجدل الشرعي، ولا سيما فيما يخص مسألة توزيع فائض الأرباح بين المساهمين في الشركة وجماعة المشتركين.
وأيا كان الأمر فإن ما حصل في العمل المصرفي من لجوء غالبية البنوك إلى تأسيس هيئات شرعية لإضفاء الطابع الشرعي على عملياتها المصرفية عملا بالمقولة الشعبية المتداولة (حط بينك وبين النار مطوع)، فإن شركات التأمين احتاجت كذلك لخدمات هذا (المطوع) لتقنع زبائنها بأن ما تقوم به من أعمال تأمينية هي مجازة من الهيئة الشرعية.
ومن وجهة نظري فإن مبدأ وجود هيئة شرعية هو ظاهرة إيجابية طالما تم الأخذ بمفهوم العمل الرقابي الشرعي وفقا لمعايير شرعية واضحة ومتفق عليها. ولكن أن يصل الأمر إلى مجرد كون العمل الذي تجيزه الهيئة هو شرعي لأنها قالت كذلك مع ضبابية المعايير المتبعة في كل شركة، بل وحتى ضبابية المعايير التي تفرّق بين ما يسمى بالتأمين التعاوني والتأمين التجاري، ولأن شركة التأمين ستستخدم مصطلح (مُجاز من الهيئة الشرعية) في النهاية للتسويق لها، فإنني سأتوقف كغيري كثيرا عند مصطلح (مُجاز) ومن حقي كعامة الناس أن أسأل عن هذه (الإجازة) من حيث كونها إجازة ترد على شيء موقوف أو غير جائز لحين البت فيه بالإجازة. أي أنه لا ينبغي العمل به إلا بعد الإجازة، أو أنها ترد على أمر غير شرعي تمت إجازته بعد تهذيبه وتطويعه للقواعد الشرعية أو أن الإجازة ترد على شيء جائز بأصله أو غير ذلك؟ ثم كيف يكون من ضمن أعضاء الهيئة الشرعية من يرى عدم وجود فارق بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري، وأن كلاهما واحد ثم يتصدى من خلال هذه الهيئة لمسألة إجازة أو عدم إجازة عمليات التأمين التي تقوم بها هذه الشركة أو تلك؟ أي ما الجدوى من وجود من أجاز التأمين بالمطلق بالهيئة؟
وبالنسبة لمن يرى من أعضاء هذه الهيئات بأن هناك تأمينا تجاريا محرما وتأمينا تعاونيا جائزا، فإنه ينبغي التذكير بأن التأمين الذي تقوم به الشركات المحلية لدينا بحسب الرؤية الشرعية لهؤلاء هو تأمين تجاري، وأن هذه الشركات محكومة بنظام وبمعايير رقابية وليس لأي شركة مهما كانت القدرة النظامية بل وحتى العملية لها أن تتبنى معايير التأمين التعاوني حتى يكون عملها متوافقا مع الضوابط الشرعية، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إذا كيف يستطيع أن يحكم عضو الهيئة الشرعية الذي يتبنى هذه النظرة بجواز أو عدم جواز منتج تأميني ما؟ وهو قد حكم على أصل العمل نفسه بعدم الشرعية؟ ولذلك فلا فائدة من وجود من يرى شرعية التأمين على إطلاقه في هذه الهيئات لأنه لن يضيف شيئا، ولا فائدة كذلك من وجود من يرى حرمة العمل التأميني في الهيئة لأنه ببساطة لن يستطيع تغيير طريقة عمل هذه الشركات. ماذا بقي إذا من جدوى هذه الهيئات؟ أعتقد أن الجدوى هي لشركات التأمين، فهي تريد أن تقنع زبائنها بأنها (حطت بينهم وبين النار مطوع) لا أكثر ولا أقل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي