العالم يتدافع لاحتواء تضخم ارتفاع أسعار الأغذية
احتل الارتفاع القياسي في أسعار الأغذية قمة جدول أعمال صانعي السياسة، وذلك بفعل مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى انفلات التضخم، واتخاذ إجراءات حمائية، واندلاع قلاقل واضطرابات، وتراجع طلب المستهلكين في اقتصادات ناشئة رئيسة.
وتتصدر أسعار الغذاء القياسية جداول أعمال عديد من صناع القرار في آسيا، إذ يشكل احتمال ارتفاع مستويات التضخم في 2011 تهديدا كبيرا لانتعاش آسيا القوي من الأزمة المالية العالمية.
وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" أمس الأول إن أسعار الغذاء سجلت ارتفاعا قياسيا الشهر الماضي متجاوزة المستويات التي أثارت أعمال شغب في عام 2008 في دول مثل مصر والكاميرون وهايتي. ووصل تضخم أسعار الغذاء في عديد من دول آسيا، ومنها الصين والهند إلى خانة العشرات، ما أثار مخاوف من أن ضغوطا قد تمتد على نطاق أوسع إلى قطاعات أخرى، وتشكل تهديدا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، إذ يعيش ملايين الآسيويين في فقر. وأثبتت أحداث سابقة أن ارتفاع أسعار الغذاء يثير التوترات الاجتماعية، ويدفع الحكومات للإذعان لمطالب باتخاذ إجراءات. وكان ارتفاع الأسعار من بين عوامل أخرى أدت إلى سقوط حكم سوهارتو في إندونيسيا عام 1998.
وقال فردريك نيومان الاقتصادي في HSBC في هونج كونج "تضخم أسعار الغذاء قد يدخل فعليا في خانة العشرات في مختلف أرجاء المنطقة، ويرتفع بدرجة تقوض القوة الشرائية للأسر ونتيجة لذلك يتباطأ طلب المستهلكين والنمو الاقتصادي بشكل عام". ودقت السلطات في كوريا الجنوبية بالفعل جرس الإنذار أمس بشأن ارتفاع أسعار السلع، وقالت وزارة المالية إنها ستبذل جهودا "على جميع الجبهات" للحد من ضغوط الأسعار التي ترجعها إلى ارتفاع أسعار النفط والسلع، وأشار البنك المركزي إلى احتمال رفع سعر الفائدة بقوله إنه سيبقي على التضخم داخل النطاق المستهدف بين 2 و4 في المائة.
ومن مظاهر ارتفاع ضغوط أسعار الغذاء زاد سعر القمح 47 في المائة العام الماضي، متأثرا بسلسلة من الأحداث المناخية منها جفاف في روسيا والدول المجاورة المطلة على البحر الأسود، وارتفع سعر الذرة الأمريكية بأكثر من 50 في المائة، وفول الصويا الأمريكي بنحو 34 في المائة. ويقول لوك ماتيوس محلل السلع في بنك كومنولث الأسترالي إنه ليس هناك ما يدعو الآن لتوقع أي انحسار لموجة ارتفاع الأسعار.
وأضاف "نحن نعتقد أن العوامل الهيكلية وراء ارتفاع أسعار الغذاء ستستمر على الأرجح لبعض الوقت، المخزونات محدودة في أسواق الذرة والسكر، ومخزونات القمح العالمية معرضة للهبوط مع توقع استمرار ظاهرة لانينيا لمدة ثلاثة أشهر أخرى أو نحو ذلك". ولانينيا ظاهرة مناخية تتمثل في انخفاض درجات الحرارة، وارتفاع مناسيب الأمطار في أستراليا، وأجزاء من جنوب شرق آسيا.
وقال تيرانس وونج المحلل في دي إن جي في سنغافورة إن العوامل الهيكلية تجعل من المواد الغذائية والسلع، ومخزونات شركات الغذاء قطاعات استثمارية ساخنة هذا العام. وأشار إلى أن شركة زراعة الخضراوات الصينية تشاينا مينزونج، وشركة صناعة أدوية الحيوانات تشاينا أنيمال هيلث كير مرشحتان لأكبر مكاسب في السوق المحلية.
وقالت "فاو" إن أسعار السكر واللحوم بلغت أعلى مستوياتها منذ بداية 1990 لكن أسعار القمح والأرز والذرة بلغت أعلى مستوياتها منذ 2008، غير أن الأسعار القياسية للأرز في آسيا تشير إلى اتجاه مختلف، فالغذاء الرئيسي في المنطقة عند نصف سعره في عام 2008 البالغ نحو ألف دولار للطن، الذي دفع عديدا من الحكومات في ذلك الوقت إلى فرض حظر على الصادرات لحماية السوق المحلية. ويقول نيومان "أعتقد أن هناك حاجة ملحة لاتخاذ مزيد من الإجراءات الوقائية المتمثلة في تشديد السياسة النقدية لمنع بعض هذه الضغوط التضخمية من التفاقم". وأضاف أن بعض البنوك المركزية اتخذت إجراءات لتشديد السياسة النقدية، لكن يتعين عمل المزيد. ويقول محللون إن رفع أسعار الفائدة أو احتمال ارتفاع قيمة العملة لن يشجع سوى مزيد من التدفقات، كما يشعر صناع القرار كذلك بالقلق من أن يؤدي ارتفاع قيمة العملة إلى الأضرار بالصادرات العماد الرئيسي لعديد من الاقتصادات.