2011.. الاقتصاد الإسباني تحت الاختبار
تدخل إسبانيا عام 2011 وقد هزتها مشكلات اقتصادية كبيرة وأزمة ديون متفاقمة بعد تمكنها من التغلب على أكبر حالات الركود التي خاضها الاقتصاد الإسباني في تاريخه وسط خشية المحللين الاقتصاديين من وقوعه في حلقة جديدة من دوامات الأزمة. وشهد الاقتصاد الإسباني الذي يعد خامس اقتصاد في الاتحاد الأوروبي من حيث الكبر، ركودا اقتصاديا نتيجة انفجار الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالبلاد في 2008 تجسدت آثاره في تجاوز معدلات البطالة 20 في المائة وارتفاع العجز العام في ميزانية الدولة بنسبة 10 في المائة مقارنة بعام 2009 ليبلغ 38.8 مليار يورو خلال الأشهر بين كانون الثاني (يناير) وتشرين الثاني (نوفمبر) الماضيين.
وكان رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ردوريغيز قد قدم في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي تقييما للوضع الاقتصادي لبلاده أوضح فيه أن عام 2010 كان "صعبا جدا" متوقعا أن يكون عام 2011 عام تحول وانتقال من الركود الاقتصادي إلى الانتعاش والازدهار. من جهتها، أكدت وزيرة الاقتصاد الإسبانية إيلينا سلغادو على مدار الأشهر الماضية أن النظام الاقتصادي في بلادها قوي وقادر على تخطي التحديات الحرجة التي يمر بها رغم تخفيض وكالات الاستثمار الدولية التصنيف الائتماني لسندات الحكومة الإسبانية. ويخشى محللون اقتصاديون من اضطرار إسبانيا إلى طلب مساعدات خارجية في عام 2011 ما لم تنجح الحكومة الإسبانية في ضبط ديونها وخفض العجز العام ودفع عجلة النمو وخلق وظائف جديدة لملايين العاطلين عن العمل وتحقيق الانتعاش الاقتصادي.
وتفيد تقارير صادرة عن بنك إسبانيا المركزي بأن الديون العامة سجلت زيادة قدرها 16.26 في المائة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2010 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2009 لتبلغ 611 مليار يورو مستقرة عند 57.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ومقتربة جدا من النسبة القصوى التي حددتها معاهدة "ماستريخت" التي تنص على ألا تزيد نسبة ديون أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي على 60 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي. وكانت الحكومة الإسبانية قد سعت إلى إغلاق عام 2010 بنسبة ديون عامة تبلغ 62.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وخفض العجز العام الذي بلغ 11.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2009 إلى 9.3 في المائة في 2010 وإلى 6 في المائة عام 2011 وإلى 3 في المائة بحلول عام 2013.
ولتحقيق تلك الأهداف اتخذت الحكومة الإسبانية مجموعة من التدابير والإجراءات الاقتصادية في أيار (مايو) من العام الماضي تهدف إلى طمأنة الأسواق إلى صلابة النظام الاقتصادي الإسباني ولا سيما بعد انهيار اقتصاد اليونان ولجوء دول المنطقة إلى تفعيل خطة إنقاذ بقيمة 110 مليارات يورو التي لم تكن كافية لتهدئة هواجس انتشار العدوى إلى إسبانيا والبرتغال اللتين عانتا تخفيض تصنيفاتهما من قبل وكالات التصنيف الاستثمارية العالمية.
وتضمنت التدابير التي هدفت إلى توفير خمسة مليارات يورو خلال 2010 وعشرة مليارات يورو في عام 2011 تخفيض رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 5 في المائة خلال عام 2010 وتجميد أي زيادة خلال عام 2011 وخفض مرتبات أعضاء الحكومة بنسبة 15 في المائة وتخفيض الاستثمارات العامة والمساعدات المخصصة للتنمية فيما اتخذت في أيلول (سبتمبر) الماضي قرار إصلاح سوق العمل الذي أثار سخط وغضب نقابات العمال.
ومع مطلع شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي اتخذت الحكومة الإسبانية مزيدا من الإجراءات الاقتصادية التقشفية في سعي دؤوب منها لإثبات صلابة النظام الاقتصادي الإسباني وقدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية التي مرت بها منطقة اليورو ولا سيما بعد لجوء إيرلندا إلى طلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي الذي سارع إلى منحها حزمة مالية بقيمة 85 مليار يورو لمساعدة نظامها الاقتصادي وسد العجز في ميزانيتها العامة الذي فاق بثلاثة أضعاف العجز في ميزانية اليونان.
وتضمنت تلك التدابير التي أثارت جدلا كبيرا في البلاد تخفيضات ضريبية جديدة للشركات الصغيرة والمتوسطة وإلغاء المساعدات المالية للعاطلين عن العمل الذين انتهت مدة تقديم معوناتهم الاجتماعية وخصخصة 49 في المائة من شركة الملاحة الجوية والمطارات الإسبانية الرئيسية إلى جانب خصخصة ما يصل إلى 30 في المائة من شركة (يانصيب) الدولة سعيا إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي وتسريع عملية خلق فرص عمل جديدة.