عام الإبداع في تطوير متابعة كل قطاع
مع بداية هذا العام الهجري الجديد (1432هـ) ستكون التوقعات أن يكون هذا العام عام الحزم والمتابعة الدقيقة لمشاريع الدولة بأكملها. ففي العام الماضي (1431هـ) كانت الأرقام الفلكية في إعداد المشاريع المعطلة والمتأخرة. أما ما رصد لها من مبالغ تطلبت تدخل جهات عدة لتحفيز عملية التنفيذ والصرف وإعادة تقييم لبعض المشاريع، فقد دقت ناقوسا في جميع أرجاء المؤسسات المدنية بأن الدولة ــ أعزها الله ــ وبقيادتها الرشيدة سجلت وما زالت تسجل أضخم ميزانيات في تاريخ المملكة، ولكن ما زال الخلل في ترجمة ذلك في أرض الواقع. مع بداية الخطة الخمسية التاسعة في هذا العام يؤمل أن نخطط لنخرج في نهاية الخطة، وقد اكتملت مشاريع البنى التحتية وبدأت الهيئات واللجان المنشأة لدعم الوزارات في نشر التقارير بشفافية متناهية، متطلعة إلى دخول المملكة مرحلة الإنتاج والإفادة من الوقت.
أحد أبرز المواضيع الحساسة التي طالما برزت على السطح وتجد مدا وجزرا كبيرين هي ''الصحة''، حيث ما زال هذا القطاع كصناعة، يحتاج إلى تكريس جهود وتوجيه اقتصادي عبر استراتيجية وطنية تنتهي لصالح الفرد صحيا وماديا. قد نحمّل في كل عام وسائل الإعلام مشكلة عدم مواكبتها للوتيرة التي تسير بها مشاريع بعض الجهات وخلط الأرقام في كثير من الإنجازات، إما لاختلاف المصادر أو لأخطاء عفوية أو غير ذلك. ولكن نتوقع أن تعاون الجهات مع الإعلام أصبح في ذروته الآن، إضافة إلى ذلك التواصل الإلكتروني وصل إلى مرحلة تجعل مشكلة الأرقام وتوافر التحليل الإحصائي الصحيح شيئا من التاريخ. لذلك يتوقع أن تقود هذه الجهود إلى ترجمة ما يكتب في الورق على أرض الواقع عمليا من الآن فصاعدا. وبالتالي يكون تقرير نهاية الخطة الخمسية كاشفا للخلل، ومبينا للقصور، وأحد مراجع التطوير للخطط المستقبلية. ولنستفيد من كيفية تناول الآخرين قضية تحويل الأقوال إلى أفعال، فثمة مؤتمر سيعقد في كانون الثاني (يناير) القادم لعام 2011، في الولايات المتحدة، يناقش أحد أهم الأمور الحديثة وهي حول e-Health Initiative. هذا المؤتمر السنوي سيناقش كيفية تحويل السياسات والإجراءات إلى التنفيذ وتفعيل المواد والبنود في الصحة الإلكترونية لتكون الخدمة مجدية وأكثر جدية. سيقام المؤتمر في واشنطن على مدى يومين، وسيكون مفعما بحضور خبراء ضليعين إلى حد كبير في المجال بتخصصاته المختلفة. الحضور هنا ليس هو الهدف، فالتقنية أفادتنا بالحضور عن بعد، ولكن نريد نقل الخبرات لنبدأ من حيث انتهى الآخرون فيما توافق معنا وإمكاناتنا.
إن من أكثر الأمور غرابةً، وفي كثير من الأحيان ''رفضاً'' أن يكون عدد المتخصصين من المسؤولين والعاملين (في قطاع ما) في تزايد وتكون نسبة ما ينجز ونوعيته في تراجع. من ناحية أخرى نرى الكثير من التنقل والزيارات والتنسيق في حين تزداد فجوة الإنجاز في التباعد. لذلك نحن في حاجة إلى تحويل السياسات إلى إجراءات ثم تفعيلها للتطبيق الميداني لتنتهي إلى تجويد الأداء بعد متابعة ومراقبة لصيقة ومتخصصة. الإبداع هنا في الاستفادة من الوقت الذي استغرق في إعداد التصور، ثم ترجمة النظريات لواقع يحقق الأهداف المنشودة بنسبة عالية. كما لابد من اللجوء للمعايير في كل حقل أو مجال فهو الوسيلة لتقارب أكبر وتكامل أداء ورقيا كان أم آلياً أم إلكترونياً.
إن التقارب والتكامل الحقيقي بين الجهات المقدمة للخدمات الصحية له تأثير إيجابي كبير في المريض وفاتورته العلاجية. إضافة إلى ذلك طالما نحن نتغنى في موضوعنا الحديث بـ ''سلامة المريض Patient Safety لابد أن نتذكر أن هناك مؤشرات ومقاييس تحدد ربط موضوع التطوير التقني بسلامة المريض التي بدأت مصطلحاته تطغى في المجالس وممرات المستشفيات ومكاتب الأطباء والمسؤولين. التكامل ينبذ العشوائية ويتبنى الشفافية فليتنا نستيقظ يوما لنجد طبيبا توصل في دراسة إلى عدد حالات تحويل الولادات الطبيعية إلى القيصرية Cesarean. وما أسباب اللجوء لمثل هذه القرارات؟ وما مدى صحة هذا القرار؟ أو كم ممرضة وكم طبيب يقوم بتنظيف يديه في اللحظات أو الحالات الأربعة الحاسمة حول المريض المنوم في أي مرفق صحي؟!
إن استمرار الدعم الحكومي الهائل نعمة لا تتمتع بها إلا مؤسسات ومواطني هذا البلد الكريم على مستوى العالم. فلماذا لا نبدأ في التقارب للاستفادة من هذا الدعم تفادياً لتكرار الهدر؟ وتباعد جهات القطاع الواحد لعدم وجود ما ينظم ماهية البيانات المفترض تبادلها أو المشاركة فيها بين المرافق الصحية؟. لا نريد أن يعي منسوبو القطاع الصحي أهمية النظم المقننة لتبادل البيانات والمشاركة فيها فقط، ولكن نريد مبادرة لتنظيم القطاع معلوماتيا فتكون ردة الفعل وقائية وسريرية علاجية، وقابلة للتطبيق في أي جهة من القطاع. كما نريد أن يكون لكل مرفق صحي خطة لثلاث سنوات تتفق مع مثيلاتها في بعض الخطوط الرئيسة، وتنفرد في النواحي الإبداعية، حيث تنشغل جهات أخرى في التنفيذ والإنتاج، ويشارك المريض في تحسين الأداء، ويقدم المسؤول ما كان يتردد في تقديمه، بل يمكن تبادل الأفكار لتحقيق سلامة المرضى بأسلوب حديث سهل. المؤتمر سيكون مثريا لكثير من المواضيع وفائدتنا بقراءة الملخصات كبيرة، فكيف بالحضور والتفاعل؟ والله المستعان.