الانتحار والبطالة.. النتيجة والمسبب

البطالة والانتحار كلمتان من قاموس كئيب، لا يحبذ أغلب الناس تداوله. لكن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن أحدهما سبب للآخر، أو بمعنى آخر أن الانتحار فعل باختيار نتيجة ''الموت'' لسبب ''البطالة'' وهو ليس باختيار المنتحر. هل هذه حقيقة؟ وهل انخفاض أو زيادة نسبة البطالة ذو علاقة مباشرة بالانتحار، حتى في مجتمع يتصف بأنه مجتمع متدين. سنرى ذلك.
وفي مقاله الأسبوعي الموسوم بـ ''هل فكرت في الانتحار''؟ للدكتور سعيد العضاضي، عرض بعض ما صدر في الكتاب الإحصائي الصادر عن إدارة التخطيط والإحصاء في وزارة الداخلية، والذي حوى معلومات قيمة وخطيرة، من ضمنها ما جاء في زيادة عدد حالات الانتحار. فقد جاء في التقرير أن حالات الانتحار في المملكة قد ارتفعت بين عام 1427 و1430هـ بما يزيد على 200 في المائة (من 259 إلى 800 حالة) بعد استبعاد المحاولات الفاشلة أو التي تم تداركها قبل حدوث المصيبة. وأن أعمار المنتحرين تتراوح بين 20 و29 عاما. وقد علق عدد من المختصين على تنامي ظاهرة الانتحار، وعددوا الأسباب التي كان من بينها البطالة والفقر. التقرير يوضح أن بين حالات الانتحار ما نسبته 44 في المائة ممن يحملون شهادة التعليم الثانوي، أو الجامعي.
هنا يأتي السؤال الأهم: لماذا تكون نسبة الانتحار الكبرى بين من يحملون شهادات التعليم الثانوي أو الجامعي؟ إذا استبعدنا العوامل الأخرى من ضعف الوازع الديني أو الجهل، بسبب الجرعة التعليمية التي حصلوا عليها خلال سنوات التعليم الماضية، واستبعدنا مسبب العنف الأسري والضغوط الاجتماعية، بسبب أن الشباب في هذه السن أصبحوا قادرين على تحمل مسؤولياتهم الشخصية والاستقلال بحياتهم، لتبقت لنا أسباب من بينها البطالة والفقر والمخدرات.
والأسباب الثلاثة الأخيرة قد تكون مترابطة ومسببة لبعضها بعضا، لكن لو حصل الشاب على وظيفة تكفل له الحياة الرغيدة وتكوين الأسرة، لربما نجا من خطر الفقر والمخدرات كمسببات للانتحار.
لكن هل تعي الجهات الحكومية الأخرى هذا الخطر وتأخذ البيانات الصادرة من وزارة الداخلية على محمل الجد، في محاولة للبحث عن مخارج وحلول لهذه الظواهر التي بدأت تستشري في مجتمعاتنا. الواقع يقول إن كل جهة تسير في خط موازٍ للجهات الأخرى، مع غياب دور الجهة المنسقة التي تخلق نقاط التقاطع والالتقاء بين الجهات المختلفة.
المجتمع بأكمله مسؤول عن هذه الظواهر واستشرائها، صحيح أن مستويات المسؤولية تختلف، فهي تزيد لدى من يحملون على عاتقهم أمانة خدمة المواطنين، والقائمين على الأعمال والاستثمار عن بقية أفراد المجتمع. فحل قضية البطالة بين يدي القطاع الخاص والمستثمرين أكثر من أي جهة أخرى، ولنتذكر ''ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي