رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


نتائج إيجابية للسياسة المالية

أعلن مجلس الوزراء الأسبوع الماضي الميزانية العامة للدولة والتي كانت إيجابية بكل المقاييس. العجز المقدر في عام 2010 تحول إلى فائض كبير قدره 108.5 بليون ريال، سياسة توسعية في الإنفاق لدعم النمو وتعزيز البنى التحتية واستكمال مسيرة التنمية، ونمو اقتصادي أعلى بكثير من عام 2009، وتركيز في الإنفاق على التنمية البشرية بشكل رئيس بتخصيص ما نسبته 26 في المائة من الميزانية للإنفاق على التعليم والتدريب. الميزانية العامة تمثل أهمية كبرى بالنسبة لاقتصاد مثل اقتصاد المملكة؛ لأنها هي الدافع الرئيس لحركة الاقتصاد ولنموه ولازدهاره. وليس في ذلك عيب، فالاقتصادات التي تعتمد على مصدر وحيد أو مصادر محدودة من الدخل، تكون الحكومة هي المحرك الرئيس للاقتصاد، لكن المشكلة دائما هي في كيفية توجيه هذا الإنفاق، والاستفادة منه في تعزيز الخدمات العامة والبنى التحتية والمحافظة على الرفاه الاقتصادي.
الميزانية التي أعلنت الأسبوع الماضي تضمنت جانبين رئيسين، الأول تقديرات الميزانية للعام القادم 2011، والثاني التوقعات بشأن المنصرف الفعلي على العام 2010، وفي كلا الجانبين، هناك مؤشرات إيجابية. ففيما يتعلق بالإنفاق المقدر للعام 2011، فقد بلغ 580 مليار ريال، وهو أعلى تقدير للإنفاق على مدى التاريخ (لاحظ أنني أشير هنا إلى تقديري وليس فعلي)، كما قدرت الإيرادات بـ 540 مليار ريال خلال العام نفسه، مما يعني أن العجز المتوقع للعام 2011 يبلغ 40 مليار ريال. تسديد هذا العجز، إن حدث، سيكون بالطبع من الاحتياطي، ولن تضطر الحكومة للاقتراض. مقارنة هذه المؤشرات المتعلقة بتقديرات العام القادم، بالمنصرف الفعلي في نهاية عام 2010 (حسب ما هو متوقع) يعكس أيضا جوانب إيجابية بالنسبة للاقتصاد السعودي.
فبالنسبة للمنصرف الفعلي في نهاية العام 2010، يتوقع أن تبلغ المصروفات 626.5 مليار ريال، في حين يتوقع أن تبلغ الإيرادات ما قيمته 735 مليار ريال. التوقعات بالطبع متحفظة كعادة المملكة، ففي حين حققت المملكة نتائج إيجابية خلال العام 2010، فلم يدفع ذلك صانع القرار الاقتصادي للتعجل في زيادة تقديرات الإنفاق بشكل كبير، وذلك على الرغم من الإمكانيات الكبيرة المتوافرة لتحقيق ذلك حتى في ظل تراجع أسعار النفط عن المتوقع. وهذه في نظري خطوة حكيمة؛ لأن تقديرات المملكة للإنفاق تعكس توقعاتها بشأن أسعار النفط، وبالتالي تعكس إلى حد ما سياستها المتعلقة بالإنتاج. وإذا ما وضع المملكة توقعات كبيرة للإنفاق، فإن ذلك سينعكس بشكل كبير على أسعار النفط، حيث يتوقع المتعاملون فيه أن المملكة ستضخ كميات كبيرة من الإنتاج. الأمر الآخر يتعلق بالاقتصاد المحلي، فمساهمة الحكومة في الناتج المحلي الإجمالي ما زالت كبيرة، وبالتالي فإن زيادة الإنفاق سيؤدي إلى زيادة التوقعات بشأن ارتفاع الطلب العام، ومن ثم سيؤثر بشكل كبير على توقعات الأفراد وأصحاب الأعمال بشأن التضخم، وهو ما سيؤدي إلى سلوك استهلاكي واستثماري سلبي على النمو الاقتصادي.
فيما يتعلق بأداء الاقتصاد السعودي خلال العام الماضي، فقد حقق الاقتصاد معدل نمو عام بلغ 3.8 في المائة في عام 2010م، مقارنة بمعدل 0.6 في المائة عام 2009، وهو أعلى من توقعات صندوق النقد الدولي التي قدرت النمو للعام 2010 بـ 3.4 في المائة. الجانب المهم في ذلك هو النمو الذي حققه القطاع الخاص، حيث إن معدل نمو القطاع الخاص يعزل أثر التذبذب في أسعار النفط، حيث بلغ هذا المعدل ما نسبته 3.7 في المائة خلال العام 2010، وهو أعلا بشكل طفيف من المعدل الذي بلغه في عام 2009. وعلى المستوى القطاعي، فقد نما قطاع الكهرباء والماء بمعدل 6 في المائة، والمواصلات والاتصالات بمعدل 5.6 في المائة، والتجزئة بمعدل 4.4 في المائة، والمقاولات بمعدل 3.7 في المائة، في حين كان أقل هذه القطاعات نموا القطاع المالي، حيث بلغ معدل نموه 1.4 في المائة، وهو ما يفسر عدم نمو القطاع الخاص بشكل كبير على الرغم من الإنفاق الحكومي الكبير خلال هذا العام. وأخيرا، فإن أهم إنجاز تحقق هذا العام هو تراجع الدين العام بشكل كبير، حيث تراجع إلى ما نسبته 10.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على التقييمات الائتمانية للمملكة، كما أن هذا المعدل هو الأقل بين جميع دول مجموعة العشرين. وما تحقق يعكس بشكل كبير قدرة السياسة المالية على إدارة عجلة الاقتصاد سواء قبل أو خلال أسوأ أزمة اقتصادية مرت بالعالم، حيث من النادر جدا أن تحقق دولة ما هدفين في آن واحد: الأول التوسع في الإنفاق لمواجهة الكساد، وفي الوقت نفسه، خفض الدين العام إلى هذه المستويات. ما تبقى هو حسن إدارة هذه الموارد من قبل الجهات الحكومية الأخرى لتحقيق الهدف المرجو منها، بزيادة النمو والرفاه للمواطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي