الاحتفاءات ترويجٌ أم تقليدٌ؟ .. يوم الحب ويوم اللغة
يعدُّ الاحتفاء ببعض المناسبات العالمية شأناً يُبرز أهمية موضوع أو قضية حيوية تخص أغلب المجتمعات، إن لم يكن جلها، وليشارك كل مجتمع نظراءه في تلك الهموم المتعلقة بهذه القضية. فهذا يومٌ للأمية وذاك للشجرة وآخر للبيئة وهكذا, حتى إن عدد أيام السنة ربما لا يكفي لجدولة هذه القضايا كلها. وبلا شك أن هذه الأمور لم تكن لتُوضع في جدول المؤسسات الدولية والمطالبة من قبل المهتمين بكل قضية بتخصيص يوم لمراجعة شؤونها إلا انطلاقاً من أهميتها, ووضوح القصور من جانب العامة في الإحاطة بها ومعرفة أبعادها والانعكاسات السلبية على حياة المجتمع من جرّاء ذلك القصور. ومع التحضر الذي نشهده محليا والتقدم الثقافي والجهود المبذولة للارتقاء به تشارك المملكة المجتمعات المدنية الدولية في مثل هذه المناسبات أملاً في إضافة جهد للتخفيف من وطأة انعكاسات هذه الأمور.
ولعل هذه المواضيع التي يُحتفى بها أو يُقام لها يومٌ تتباين في الأهمية بين أمة وأخرى.. فمثلاً يوم الحيتان ـــ إن كان لها يوم ـــ ليس بأهمية يوم الفقر، خصوصاً للدول النامية. لذلك من الواجب أن يكون العمل على يوم الفقر لا يعني فقط إقامة الندوات وتبيان الآثار السلبية ونسج الكلمات والتعاطي مع الموضوع بوقتية, بل يجب أن تخرج من ذلك اليوم قرارات عملية وخطط محكمة واضحة المعالم لتحدي وحل هذه المشكلة محلياً لنخرج بمشاركة عملية للمجتمع الدولي في تقليلنا، على الأقل، من أعدادهم لدينا. وهكذا فيما ينسحب على ترتيب أولويات المشكلات لدينا والتي نشارك المجتمع الدولي بأسره في شؤونها.
ففي الأمس بدأت فعاليات اليوم العالمي للغة العربية, والذي أتوقع أن السواد الأعظم من النشء، خصوصاً وهم جيل المستقبل، لا يعرف عن هذا اليوم أصلا، لكنه يعرف عن يوم الحب (الفالينتاين) وغيره من المناسبات المورّدة إلينا ونقلدها على غير هُدى. المشكلة ذات أبعاد مختلفة منها الثقافية ومنها الاقتصادية، ولكن قاسمها الأعظم هو أننا لم نعِ مفهوم تلك الأيام في الأصل, بل إننا اتخذنا التقليد أسلوباً لسلوكيات معيشتنا. بالطبع يوم اللغة العربية يجب ألا يكون يوماً واحداً، بل إنه كل يوم. إننا نمارس نشاطاً تطبيقياً للغة العربية خمس مرات في اليوم على الأقل بالنسبة للمسلمين, ونحن في المملكة، على وجه الخصوص، يجب أن نعيش هموم اللغة العربية ونفتخر بحمل لواء الذب عنها، وهذا هو واقع الحال والحمد لله.. فاللغة العربية هي اللغة الرسمية وجهود الجامعات ومراكز البحث فيها متعددة, ومركز الملك عبد الله لخدمة اللغة العربية، والذي يعد إحدى الواجهات العلمية والثقافية المهمة في شؤون اللغة العربية، كلها نموذج على هذا التقدير. وهذا كله يُشكر ولا يُنكر. ولكن المؤمل أكثر من ذلك في أهم مرتكزات ثقافة وحضارة وقيم هذا البلد المعطاء، وهو أن نفهم معاني هذه المناسبات وعدم تقزيمها وحصر الاحتفاء بها في يوم واحد، بحسب أهمية المناسبة لواقعنا، سواء في مثل يوم اللغة أو غيره من مشكلات المجتمع التي نتقاطع مع المجتمعات الأخرى في إبراز ما يخصها.