صناعة الذات
استقيت عنوان هذه المقالة من عنوان كتاب رائع جداً لمريد الكلاب، فصَّل فيه كيف لمَنْ يبحث عن النجاح ألا ينكسر، وألا تنحني هامته للظروف مهما قست، وألا تلين قناته أمام ما يعترض سبيله من ظروف قاهره، وعّرف النجاح الذي نحصل عليه بأنه ينطلق من خلال فكرة نصنعها نحن ونمضي في تحقيقها، ومن أجل أن يكون الإنسان منصفاً مع نفسه، وواقعياً في تعامله مع ما يملكه من قدرات يقول: "إذا نظرنا إلى نُقطة الضعف فلن نَنظر إلى مزايانا"، فيجب أن ينظر كل منا إلى ما يمتلكه من ميزات تجعله يعود أكثر قوة وتماسكاً، لقد تبادرت إلى ذهني هذه الأفكار وأنا أشاهد محمد الشلهوب وأسامة المولد وهما يعودان بكل قوة للنجومية من جديد، بل ينجحان مع ثالثهما أحمد عباس في صناعة الذات من جديد، وإعادة اكتشافها الرائع.
فالشلهوب الذي تراكمت وتكالبت عليه عدة مواقف سيئة جعلته يعيش أجواء مرارة صعبة جداً ابتدأت بخسارته لقب أفضل لاعب آسيوي مروراً بفقدانه والديه ـــ يرحمهما الله ـــ مما أدخله في دوامة من الحزن أفقدته تركيزه فترة من الزمن هبط معها مستواه فكثرت الأحاديث حوله، ولكنه لم ينثنِ ولم يسلِّم لها الأمر، لأنه يجيد صناعة الذات ويعرف مزاياها فسار في طريق العودة فاستعاد عافيته ونجوميته وتجاوز حدود الإبداع ليصبح هدافاً لدوري زين، ومساهماً بدور كبير وفعّال في تتويج فريقه ببطولة الموسم الماضي، ولم تقف هذه الذات القوية عند هذا الحد بل رأينا منه قيادة رائعة للمنتخب في دورة كأس "خليجي 20" صفقنا لها كثيرا، جعلتنا نشاركه صدق الإحساس بدموعه الغالية التي ذُرفت، بسبب سوء تقدير المدرب البرتغالي خوسيه بيسيرو، ولقوة المنتخب الكويتي في المباراة الختامية، وبالتالي خسارة اللقب.
والمثال الثاني لصناعة الذات تجلى في أسامة المولد الذي ظهر سداً منيعاً وشارك بفاعلية في قيادة خط الدفاع، وهو الذي عانى كثيراً من الإصابات التي أبعدته طويلاً عن الملاعب، ودار الحديث عن سعي ناديه لبيع عقده بسبب انعدام الفائدة منه، ولكن لأنه يؤمن بقدراته التي وهبه الله إياها عاد بطلاً يذود ويدافع كالأبطال وبكل حماس وقوة في دلالة أخرى على أن من لم يعرف قدراته ويصنع ذاته من تلقاء نفسه ليس جديراً بالنجومية.
أما النموذج الثالث فهو صاحب هدف التأهل للمباراة الختامية أحمد عباس الذي لم يجد فرصته كاملة في الهلال فخرج منه ليمثل الطائي، ولكن تجربته لم تكن موفقة فهبط الطائي، ورحل عباس إلى النصر وهو يحمل في وجدانه مرارة الخسارة والفشل، ولكنه يعرف ذاته ويعرف قدراته وأن النجاح لا يرسمه الآخرون فسعى من جديد يبحث عن التوهج والنجومية، ولكن المرارة لا تفارقه فيصاب إصابة ويظل يعالج فترة أخرى، ولكنه حين عاد تمسك بفرصته، وأصبح نجماً قادراً على الإمتاع، وجلب النصر لفريقه وللمنتخب.
تجربة هؤلاء النجوم درس يحتذى، ومنهج يدرس في صناعة الذات وعدم الانكسار، وهي الصفات التي يجب أن يمتلكها، ويسعى إلى اكتسابها من يريد النجاح والوصول إلى أعلى القمم.
خاتمة
الحياة تجربة، وصناعة الذات فكرة تخلق الأمل، والأمل لا بد أن يحذوه العمل، وبذلك نستطيع أن نكون ونستطيع أن نحقق ذواتنا.