رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل أصبحت قطر الصغرى ندّا لأمريكا العظمى؟

لقد أثلج صدورنا جميعا ترشيح قطر الشقيقة لاستضافة مونديال 2022 وتفوقها على دول عظمى مثل الولايات المتحدة واليابان ودول أخرى سبقتها في التنمية مثل كوريا الجنوبية وأستراليا، كما عجزت عن بلوغ هذا المجد دول عربية عريقة حاولت من قبل استضافة المونديال إلا أنها لم تفلح أمثال مصر والمغرب. وحدث كهذا يجب ألا يمر مرور الكرام، فيتحتم علينا الوقوف عنده وسبر أغواره لنستفيد من الخطوات التي اتبعتها قطر حتى وصلت إلى العالمية فأصبحت تصارع الكبار، بل تهزمهم، فقد نقبل أن يقاتل الضعيف القوي أما أن ينتصر عليه فهذا شيء عُجاب.
وإنجاز كهذا لم يأت من فراغ ولا أظنه نتيجة عشوائية وليس بالطبع وليد الصدفة بل نتيجة عمل مخطط ومدروس يخبرنا أن قطر تجيد التخطيط والتنفيذ وتعرف بالضبط ما تريد. ويجب ألا ننظر إلى الوضع بنظره ضيقة وأن الأمر لا يتعدى كونه تفوقا تنظمينا أو رياضيا، فالأمر أبعد من ذلك وأعمق. فقطر قبل تنظيم المونديال لن تكون قطر بعده، وقد كسبت قبل أن تبدأ فعرف العالم هذه الدولة الصغيرة في مساحتها، القليلة في عدد سكانها، الكبيرة في طموحاتها، وهذا سيعود عليها بمنافع كثيرة، وفي الوقت نفسه سيثقل كاهلها بأعباء جسيمة، فالكل ـــ ومنه أمريكاـــ يريد أن يعرف كيف استطاعت قطر أن تدخل ميدان الكبار وتنتزع المجد عنوة!
وحدث كهذا يمكن أن يقرأ من عدة جوانب اقتصادية، تسويقية، تنموية، سياسية. فعلى سبيل المثال هل سيؤثر فوز قطر على معايير تصنيف الدول وتهجر المنظمات الدولية طرائقها التقليدية عند تصنيف دول العالم؟ فهيئة الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي تعتمد في تصنيفها دول العالم على عدة معايير من أبرزها معدل دخل الفرد، وجودة الخدمات الجوهرية كالتعليم والصحة، واكتمال البنية التحتية، فتصنف الدول متقدمة ونامية وأقل نموا، ولكن ألا يخطر على البال أن تضاف معايير أخرى تعتمد عليها المنظمات الدولية في تصنيفاتها بعد فوز قطر الصغرى على أمريكا العظمي؟ فإن دخل هذا المعيار الجديد فأظن قطر لن تكون دولة نامية.
كما أن هذا الحدث فتح بابا جديدا وأشاع أملا مشرقا للدول المحبطة واليائسة التي تريد أن تسابق في ميدان النمو والحضارة والتي ترغب في أن يشار إليها بالبنان على خريطة العالم ليس باتساع المساحة الجغرافية، أو الكثافة السكانية، أو الزخرفة الإعلامية بل بالعمل الحقيقي والإنجاز الفعلي. لقد فتحت قطر طريقا فرعيا يمكن أن تسلكه الدول النامية إذا أرادت أن تنهض بمجتمعاتها وتوفر الرفاهية الاقتصادية لشعوبها.
وحتى تتضح هذه النقطة نحتاج إلى أن نستعين بمقال رزين سطره الكاتب القدير في هذه الصحيفة الدكتور صالح سليمان الرشيد، قبل عدة أسابيع عندما قام بفك الارتباط بين التسويق الأحمر والتسويق الأزرق. ذكر الدكتور الرشيد أن التسويق الأحمر يمارس عندما تتشبع السوق فيصعب الحصول على حصة فيها، عندها تتصادم القوى وتبلغ المنافسة أشدها وحدة السوق توهجها وتتلون السوق باللون الأحمر، بينما التسويق الأزرق يمارس في سوق هادئة بعيدة عن المنافسة والصدامات والصراعات فتخلو المنظمة مع نفسها وتركز بصفاء على تحقيق أهدافها ثم تظهر إلى الساحة فجأة بإنجازات فريدة. وما يذكر في ميدان السوق والأعمال يمكن إسقاطه على جميع الأحوال. فقطر لم تضع الوقت في المرافق التقليدية لتطور وبناء الدول كالصناعة والتعليم والبحوث العلمية والإنجازات التقليدية لأنها تعلم أن الأمم قد سبقتها في هذا المضمار وأنها لن تستطيع أن تجد لنفسها موطأ قدم مناسب فيه، كما أن هذا الطريق يستغرق عدة عقود فماليزيا على سبيل المثال استغرق وصولها بالطريقة التقليدية 20 عاما، لذا رأت قطر أن يكون إنجازها وتنميتها وتنافسها مع نفسها ومع غيرها في خصائص تفوقها والميزة النسبية التي تمتلكها بعيدا عن الصراعات فكان النجاح حليفها. إلا أن هذه السوق لن تبقى زرقاء هادئة فسيدخلها كثيرون وتبدأ الصراعات وستتحول إلى سوق حمراء، عندها ستعود قطر إلى الطرائق التقليدية وتمارس التنمية الحقيقية في الصناعة والتعليم، وقد جنت المال والشهرة والخبرة وأصبح الميدان أقل خطورة، فالكل ذهب إلى المحيط الأزرق.
والعمل في الميادين غير التقليدية عمل صعب لا يجيده إلا الأذكياء لأنه يتطلب قدرات خاصة ومهارات عالية تخطيطية وسياسية ودبلوماسية، وقد برهنت لنا القيادات القطرية صحة هذه الفرضية. فقطر لم تحاول أن تستفز أمريكا أو غيرها من دول الغرب التي كانت مواقفها سلبية من فوز قطر بل حاولت جاهدة أن تلطف الأجواء وتسوس الأعداء. فهاهو ولي عهد قطر يصرح لوكالات الأنباء وعلى شفتيه بسمة استهزاء ردا على الرئيس الأمريكي الذي علق ضمنيا بأن قطر غير مؤهلة لاستقبال هذا الحدث العظيم، فقال "إن الرئيس الأمريكي لم يكن يقصد أن ينال من قطر بل هي زلة لسان لم تكن مقصودة". وهذه هي العبقرية الدبلوماسية تحمي الإنجازات الوطنية، فالوقت ليس مواتيا لخلق عداءات والدخول في صراعات لا طائل من ورائها وليسوا ندا لها فأمامهم عمل شاق ومكاسب ينتظرونها. وكنت أريد أن أذيل مقالي بعرض وجهة نظري حول الفوائد التي ستحصل عليها قطر ومنطقة الخليج من تنظيم المونديال، كما نريد أن نتعرف على انعكاس هذا الحدث على العلاقات الدولية وما موقف الدول الصديقة والمعادية لقطر ولدول مجلس التعاون إلا أن المساحة المخصصة استوقفتني عند هذا الحد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي