رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عشاء مع فخامة الرئيس

أطلق الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون قبل أيام دعوة لمن يرغب العشاء معه مقابل 50 ألف دولار، على أن يتحمل من يرغب العشاء معه تحمل نفقة العشاء, وعمل موعد مسبق, وتحويل المبلغ قبل تنفيذ عملية العشاء. تصور تدفع 50 ألف دولار لتحظى بشرف العشاء مع فخامة الرئيس الأمريكي الأسبق. تأملت في هذه الدعوة محاولا فهمها, والتعرف على أسبابها, هل هي كما ورد في الخبر من أن الهدف هو دعم مؤسسة كلينتون للأعمال الخيرية, أم أن السبب هو شيء آخر قد يكون تحقيق مكاسب شخصية تعوض الرئيس عن حالة الخواء التي ربما يعيشها بعدما ترك كرسي الرئاسة, وتسلمت زوجته كرسي وزارة الخارجية لتنشغل كلية عنه, وتأخذها هموم السياسة الخارجية الأمريكية, التي اهتزت هذه الأيام بفعل التسريبات بشأن البرقيات, والاتصالات التي نشرها ''ويكيليكس''.
ترى من سيرغب في العشاء مع الرئيس الأسبق مقابل 50 ألف دولار؟ أعتقد أن من يرغب في ذلك, إما شخصا حصــل على المال بصورة لم يبذل فيها أي جهــد, ويرغب في ظهوره في الصــــورة مع الرئيس الأسبق, وهذا في حد ذاته قد يكـــون إنجـــــازا لبعض الأفراد، يحقــق لهم شيئا من ذواتهم التي يبحثون عنها، خاصة عندما يكونون مع المشاهير كالفنانين, أو الرياضيين, أو الزعماء والسياسيين, رغم أن أيا من هذه الخصــائص لا تنطبـــق على بيل كلينتون في الوقت الراهـــن؛ إذ لم تعد له تلك المكانة الاجتماعية, والكاريزما التي كان يتمتع بها عندمــــا كان رئيسا.
أما النوع الثاني من الناس الذين قد يدفعون هذا المبلغ الباهظ، فهو ذلك الفرد الذي يود أن يستبين تجربة, أو تجارب كلينتون في المجالات المتعددة السياسية, والاجتماعية, والاقتصادية, والعاطفية بما في ذلك خبراته مع حادثة مونيكا لوينسكي, وما ترتب عليها من قدح في أهليته لرئاسة الولايات المتحدة, ومن شرخ في العلاقات الأسرية خاصة مع زوجته هيلاري وزيرة الخارجية في الوقت الراهن. وفي يقيني أن هذه الفئة لن تحقق مكاسب من وراء هذا العشاء، خاصة أن الحس الرأسمالي, والرغبة في جمع المال هي التي جعلت كلينتون يؤسس مؤسسته الخيرية، كما أن الرغبة في الشهرة, والاستمرار تحت الأضواء ـــ حتى لو كانت خافتة ـــ سبب آخر لهذا الجهد.
جهود الرئيس السابق في الظهور أخذت أشكالا عدة، ليس أولها ولن يكون آخرها الدعوة إلى طعام العشاء على حساب الضيف المفترض, أو الضيف الدافع فاتورة العشاء, بل إن هذه الجهود تمثلت في الحرص على حضور المنتديات الاقتصادية طبعاً بدعوة من المنظمين كما في منتدى جدة الاقتصادي, الذي حضره كلينتون, ولا أعتقد أنه قدم شيئاً يفيد المنتدى, أو ينعكس على الاقتصاد الوطني بأي فائدة تذكر, كما تمثل في حضوره أنشطة مماثلة في دبي وكذلك في قطر.
في ظني أن من أسباب حرص الرئيس الأسبق على الظهور, وتقديم مثل هذه العروض السقيمة إنما يمثل في جوهره قمة النزعة الرأسمالية الساعية إلى الكسب بشتى الطرق, والأساليب بغض النظر عن ملاءمتها لسن ومكانة الفرد السياسية, والاجتماعية.. كما أن السعي إلى التعويض والإشباع النفسي هو الذي يدفع كلينتون, وغيره للبحث عن شتى الطرق التي تحقق هذا الشيء، ذلك أنه لم يسبق لي أن سمعت عن إنجازات لمؤسسته الخيرية لا في أمريكا, ولا في أي مكان آخر, على أن هذا لا يعني عدم وجود ذلك، لكن من يرغب في فعل الخير سيجد السبل أمامه مشرعة, وليس من خلال مؤسسة كلينتون, وعن طريق عشاء مع فخامته.
إن الثقة المفرطة لدى كلينتون هي التي أسهمت في إطلاق دعوته هذه, كما أن رؤيته لمن وجه إليه مثل هذه الدعوة قد تكون سببا آخر شجعه على فعل ذلك, ومهما تكن الأسباب وراء مثل هذه الدعوة سواء كانت اقتصادية, أو نفسية, أو بدافع فعل الخير فلن يستجيب لها إلا من فقد عقله, أو جزءاً من عقله، ذلك أن من يقبل مثل هذا العرض سينفق مالاً في غير موضعه الصحيح, إضافة إلى فقدان كرامته؛ إذ لا معنى لأي شخص سوى أن يتعشى مع الرئيس سواء كان على سدة الرئاسة أو خارجها، إلا إذا كان ممن ينتهزون الفرص والعشاء مع رئيس سخي, وغير مقيد بأنظمة وقوانين، كما هي الحال في الولايات المتحدة التي تمنع رئيسها من العبث والتلاعب بالمال العام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي