رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


اربط حزام السلامة وتوكل على الله

لا تزال الأخبار تنقل إلينا يوميا فواجع الطرق التي ينجم أغلبها نتيجة لانقلاب المركبات بسبب خلل طارئ يكون في أغلب الأحيان انفجار إحدى العجلات. ولعل أكثر ما يُحِزن عند ما تكون الضحية أو الضحايا من المدرِّسات الشابات اللاتي يتركن بيوتهن قبل صلاة الفجر ليلتحقن بمدارسهن، التي عادة تبعد عن مقر سكنهن عشرات أو مئات الكيلومترات. وعند أول حادث مروري يصحبه انقلاب للحافلة تتبعثر أجسادهن الغضة حول مكان الحادث، وربما تحت المركبة نفسها، ولا ينجو من الحادث إلا منْ كتب الله له السلامة. ومن المشاهد أن غالبية مركبات نقل المعلمات تكون من الموديلات القديمة، والسائق قد يكون مُتعَبا فيغفو أثناء السير مما يزيد من احتمال وقوع الحوادث المؤلمة. والسبب الرئيس لخروجهن من داخل المركبة عند انقلاب المركبة وتعرضهن بقدرة الله للهلاك هو عدم ربطهن لأحزمة المقاعد. ولو أن الله وفقهن لربط الحزام الذي لا يُكلف أي مجهود لكان لديهن فرصة أكبر لتجنب شدة الإصابات. وقد أثبتت الدراسات العلمية والتجارب العملية أن استخدام حزام الأمان أثناء السفر في السيارة يُقلل - بإذن الله - من حدة الإصابات بما يصل إلى 75 في المائة. أفلا تكفي هذه النسبة العالية لأن تكون حافزا قويا لنا لربط الأحزمة المتوافرة لدينا مع التوكل على الله؟ وهل نحتاج إلى نظام رادع وعقاب صارم من أجل أن نتقيد بأمر تعود فائدته علينا مباشرة، يُنقذ - بإذن الله - أرواحنا ويقلل من تأثير صدمات الحوادث على أبداننا؟ ولماذا نفرط في أعمارنا والله - سبحانه وتعالى - منحنا عقولا نُفكر بها ونفرق بواسطتها بين ما هو صالح لنا وما هو غير ذلك؟ كما أن أجسادنا أمانة لله عندنا يجب علينا شرعا أن نحافظ عليها من التلف، فمن مقاصد الشرع الخمسة حفظ البدن.
وقد ذكرنا الحوادث التي تتعرض لها المعلمات؛ كونهن يُمارسن التنقل يوميا لمسافات طويلة، تاركات وراءهن في أكثر الأحوال أطفالا صغارا ينتظرون عودتهن، أو أمهات قضين نصف أعمارهن ينتظرن تعيين بناتهن ولو في أماكن نائية. ولكن الحوادث المؤلمة، على وجه العموم، لا توفر صغيرا ولا كبيرا، فالصحف اليومية لا تخلو من ذكر حوادث مروعة وضحايا بالعشرات. ولو تتبعنا أسباب الوفيات والإعاقات التي تنجم عن معظم الحوادث، لوجدنا دون أي شك، أن أكثرها يعود إلى عامل واحد، وهو عدم التقيد بربط حزام الأمان. ولعل البعض منا قد لاحظ العبارة المشهورة التي عادة ما يُرددها مُحررو الصحف اليومية عند ما ينقلون خبرا عن حادث مروري فظيع وينجو صاحبه إلا من رضوض بدنية بسيطة، فيُعبرون عن ذلك بقولهم ''نجا من الحادث بأعجوبة''، ومن شبه المؤكد أن الذي تعرض للحادث كان قد استخدم حزام السلامة فأنقذه الله بسببه من الإصابة البليغة. ومما يدعو للدهشة، أن غالبية المواطنين في بلادنا يعلمون أن جميع شعوب الأرض تلتزم بربط حزام الأمان، ليس فقط من باب إطاعة الأوامر الرسمية والتقيد بنظم السير، بل لأنهم أيضا يُدركون ما لها من أهمية قصوى للحفاظ على سلامتهم وسلامة أولادهم. أما نحن، فالغالبية العظمى منا مع الأسف يرون أن في ربط الحزام داخل المركبة تقييدا لحرياتهم وتعدٍّ على خصوصياتهم، وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة.
والذي لا شك ولا ريب فيه، أن الذي ينقصنا هو الوعي الاجتماعي. وربما أن انتقالنا فجأة من عالم كانت تسوده الحياة البدائية ووسائل النقل البسيطة التي كانت تعتمد على الجِمال والخيل والبغال والحمير، وخلال وقت قصير وجدنا أنفسنا نمتلك أحدث ما توصل إليه الإنسان العصري من وسائل النقل الحديثة ودون أي مُقدمات، من السيارة إلى الطائرة! فعند ما تُشاهد شبابنا وهم يلعبون بالنار، بقيادتهم المتهورة لمركباتهم ذات السرعة العالية وممارسة أنواع التفحيط داخل المدن دون أي رادع، أيقنت أن هناك فجوة ما فيما يتعلق بما كان يُمارسه الآباء وبين ما توافر للجيل الجديد. وعلى الرغم من الحاجة المُلحة لنشر الثقافة المرورية وأهمية التقيد بأصول السلامة في محيط أفراد المجتمع، إلا أن ذلك غائب تماما عن مناهجنا الدراسية والتربوية وعن وسائل إعلامنا العام والخاص. ولقد أصبح من المعلوم لدى الكثيرين أن المعدل السنوي لعدد ضحايا الحوادث المرورية عندنا يفوق مثيله في أي بلد آخر في العالم، ونقصد بذلك الوفيات وعدد الإصابات الخطيرة التي تنتهي بإعاقات بدنية مُقعدة، حمانا الله وإياكم. فقد دلت آخر الاحصاءات الرسمية أن عدد ضحايا الحوادث من الوفيات بلغت أكثر من ستة آلاف خلال عام واحد. وهذا بطبيعة الحال لا يشمل عدد المصابين الذين يُتوفَّون بعد الحادث بمدة قصيرة. أليس من العجب أن تجد الكل، من المواطنين والمسؤولين عن المرور ومسؤولي الشؤون الصحية والمؤسسات الخاصة ذات القدرة المهنية والإعلامية ساكتين على الوضع غير الطبيعي الذي يزداد سوءا مع مرور الزمن ومع كثرة عدد المركبات والفلتة المرورية التي نعيشها دون غيرنا؟
الشيء الوحيد الإيجابي في هذا المضمار الذي نسمع عن وجوده، هو قيام مجموعة من الأمهات من المنطقة الشرقية المكلومات بفقدان فلذات أكبادهن وأزواجهن في حوادث مرورية، ومحاولتهن حث المسؤولين على نشر الوعي المروري بين أفراد المجتمع وتطبيق نُظم صارمة للحد من المخالفات التي تقود إلى وقوع الحوادث المرورية. فقد تكونت الجمعية الخيرية ''ود'' بواسطة ومجهود نخبة من السيدات الفاضلات في المنطقة الشرقية من أجل تنوير المواطنين وحث الجهات المسؤولة على بذل جهد أكبر في نشر الوعي والثقافة المرورية. ونحن في حاجة إلى آلاف المجموعات من الآباء والأمهات في مدننا وقرانا ليرفعوا أصواتهم عاليا حتى تُسْمَع. وإذا لم تستطع الدولة التي تمتلك المال والإمكانات الإعلامية، المرئية والمسموعة والمقروءة أن تنشر الوعي الذي لا يحتاج إلى أكثر من استخدام وسائل إعلامية بسيطة ومتيسرة، فإن الأمر سيصل إلى مُضاعفة الحوادث المرورية القاتلة. ونكون كالقطيع الذي لا يعلم أوله ماذا أكل الذئب من أقصاه!!
ونحن لا نعفي الشركات والبنوك والمؤسسات المدنية وأصحاب الصحف من مسؤولية المشاركة في بث الوعي المروري، بالمال ونشر التوجيهات وتصميم الإعلانات بهدف إيقاف هذا السيل الجارف من الدم على الطرق بسبب الحوادث. وماذا يُكلف رجال المرور لو أنهم فرضوا ربط حزام الأمان على جميع الركاب وفي جميع أنواع المركبات، بشرط أن يلتزموا أنفسهم أولا بربط الحزام؛ حتى يكونوا قدوة للآخرين؟ والذي ربما لا يُدركه الكثيرون، هو أن الاستثمار في نشر الوعي بين عامة المواطنين فيما يتعلق بالسلامة المرورية، له مردود إنساني وصحي ومادي يفوق أي استثمار آخر. فمن الناحية المادية، وهي الأقل أهمية، لو استطعنا تقليل إصابات الحوادث بنسبة 5 في المائة لكان الوفر المادي يفوق بأكثر من ضعف ما صرفنا على برنامج التوعية.
وبما أننا قد بدأنا بموضوع رحلات المدرِّسات اليومية الطويلة وتعرضهن أكثر من غيرهن لحوادث الانقلاب، فإننا نأمل من المسؤولين في تعليم البنات، على وجه الخصوص، في مختلف مناطق المملكة أن يُبادروا إلى رفع مستوى الوعي بأهمية ربط الحزام أثناء رحلاتهن، وأن يجعلوا ذلك شرطا على منْ يتكفل بنقلهن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي