رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل «الدبلومات» ضرورة لتشغيل «البقالات»

كشفت وزارة الشؤون الاجتماعية للصحافة الأسبوع الماضي عن نيتها تنفيذ مشاريع تجارية وتعليمية مطلع السنة الجديدة لدعم الشباب السعوديين في افتتاح متاجر صغيرة وتوفير فرص الحصول على دبلومات دراسية تحتاج إليها سوق العمل. ويتضمن المشروع دعم كل مستفيد بمبلغ 200 ألف ريال لمساعدته على إنشاء "بقالة"، وذلك عن طريق التفاوض مع أحد المتاجر الكبيرة لتزويد "البقالات" ببضائع مباشرة وتغذيتها خلال فترة إنشائها بقيمة مالية لا تزيد على 200 ألف ريال. كما أضاف التصريح أن الوزارة تجري حاليا مباحثات مع عدد من الجامعات السعودية لتخصيص دبلومات لأبناء المحتاجين لمدة سنتين في تخصصات المحاسبة، ونظم المعلومات، والتسويق، والتأمين.
وتلك خطوة مباركة نرجو أن يكتب لها النجاح حتى تتمكن مؤسسات الدولة من القضاء على معضلة البطالة. إلا أن هناك غموضا يكتنف هذا المشروع، فتصريح الوزارة أتى شموليا ومختصرا جدا، ولكن رغم ذلك فإننا نستطيع أن نستشف بعض العقبات التي قد تواجه تطبيقه من خلال تجاربنا في الإشراف على برامج أخرى مماثلة ومعرفتنا بمتطلبات الأسواق المحلية وطريقة عمل المشروعات الفردية والصغيرة، لذا سأخصص مقالي هذا لقراءة ما وراء هذا المشروع، وسيكون طرحي للموضوع على هيئة استفسارات تحمل في طياتها عدة مقترحات.
1. في البداية نريد أن نعرف هل أخذ هذا المشروع حقه من الدراسة، فبعض مؤسساتنا ترى أن الأفكار والمقترحات لا يمكن أن تتضح معالمها وتتبين ملامحها إلا عند تطبيقها. وأريد أن أذكر وزارة الشؤون الاجتماعية ببرامج مماثلة طبقت قبل عدة سنوات من قبل عدة جهات لم تأخذ حقها من الدراسة المتأنية والتمحيص الدقيق، فكان الإخفاق حليفها. ومن أبرزها برنامج تهيئة طالبي العمل للقطاع الخاص الذي تبنى إعداده وتمويله وتشغليه صندوق الموارد البشرية قبل نحو خمس سنوات، وكذا البرامج التي قدمها التنظيم الوطني للتدريب المشترك التابع لكليات التقنية ودورات بائعي الذهب والمجوهرات التي أشرفت عليها الغرف التجارية بهدف سعودة محال الذهب. فرغم جودة تصميم تلك البرامج ودقة تنفيذها وضخامة المبالغ التي صرفت، إلا أنها لم تحقق أهدافها ووصلت إلى طريق مسدود ثم توقفت.
2. الاستفسار الآخر؛ هل مبلغ 200 ألف ريال الذي تريد الوزارة أن تدعم به الشباب السعودي مخصص فقط لشراء البضاعة، أم أنه يشمل إيجار المحل، والتأثيث من ثلاجات ورفوف ومستلزمات أخرى، ودفع تكاليف الحصول على الترخيص من الغرف التجارية ورسوم البلدية والزكاة والدخل وغيرها؟ وكيف تتعامل الوزارة مع المخالفات وتجاوز النظام التي قد تحدث من قبل بعض المشغلين؟ المشروع الفردي لا يحتاج فقط إلى بضاعة بل يتطلب مستلزمات أخرى ورسوما دورية، فهل ستوفر وزارة الشؤون الاجتماعية كل هذه المستلزمات، وتدفع كل هذه التكاليف، أم تتكفل فقط بدفع قيمة البضاعة؟ وهذا الموضوع يقودنا إلى استفسار آخر وهو لماذا "بقالات"؟ فهناك مشروعات فردية وأنشطة متعددة يمكن أن يستثمر فيها الشباب العاطل ومنها الملبوسات، المطاعم، البوفيهات، المكتبات، الصيدليات، محال الجوالات وغيرها. فلماذا قصرت وزارة الشؤون الاجتماعية مشروعها المقترح على "البقالات" فقط، خصوصا أن السوق السعودية قد تشبع بما فيه الكفاية من هذا النوع من الأنشطة.. كما أن صافي أرباح المواد الاستهلاكية عادة ما تكون ضئيلة، والمنافسة فيها حادة مقارنة بالأنشطة الأخرى؟
3. وأخيرا نريد أن نستفسر عن "الدبلومات" التي صرحت بها الوزارة، هل هذه "الدبلومات" شرط لفتح "بقالة"، أم أنها برامج منفصلة وليس لها علاقة بـ"البقالات"؟ فإذا كان هذا شرط، فأرى أن العمل التجاري في السوق المحلية لا يحتاج إلى "دبلومات"، ويمكن أن يدير الشاب مشروعه الفردي دون "دبلومات" تضيع وقته وتزيد تكاليف المشروع. فالمشروعات الفردية في بلادنا لا تحتاج إلى القاعدة العلمية والكثافة المعرفية؛ لأنها تعتمد اعتمادا كليا على التجربة والخطأ، ولديها آلياتها ووسائلها التقليدية، فقد تكونت بطريقة عشوائية بعيدة كل البعد عن النظريات والنماذج العلمية، لذا أرى أن تستبعد الدبلومات، فضررها أكثر من نفعها. وإن كانت وزارة الشؤون الاجتماعية مصرة على شرط الدبلومات فيمكنها أن تكتفي بدبلومات كليات التقنية أو كليات المجتمع أو الدبلومات التي يدعمها الصندوق الخيري لأبناء المحتاجين في عدة مؤسسات تعليمة دون الحاجة إلى التفاوض مع الجامعات لتخصيص دبلومات تقدم على هامش برامجها الأكاديمية، فهذه الدبلومات عادة ما تكون غير مجدية.
4. علينا ألا ندس رؤوسنا في التراب، فالكل يعرف أن "البقالات" والمشروعات الفردية والصغيرة تديرها عمالة وافدة لا يجيدون أبجديات المعرفة، بل إن بعضهم أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، وبعضهم الآخر أتوا إلينا لا يتحدثون العربية، ولكننا نراهم يديرون بقالاتهم بحرفية عالية، لدرجة أن المواطن لا يستطيع مجاراتهم مهما كانت مهارته ومؤهلاته، ومهما كان دعم القطاعات الحكومية له، والسبب في رأيي أنهم هم الذين كونوا الثقافة التنظيمية للمشروعات الفردية في بلادنا، وهم فقط الذين يعرفون أسرار السوق ودهاليزها، والذي يدل على ذلك أن جميع المجهودات التي قامت بها بعض الوزارات والهيئات بهدف اختراق السوق المحلية لتمكين المواطنين من موطئ قدم فيها باءت بالفشل، وآخر حِصن سقط هو كبائن الاتصالات التي كانت محرمة على الوافدين، ونراهم الآن يحتكرون هذه الخدمة، وأبناؤنا يعملون لديهم. نرجو من وزارة الشؤون الاجتماعية أن توضح للرأي العام تفاصيل المشروع الذي تنوي القيام به، وأقترح أن تخضع مشروع "البقالات" و"الدبلومات" للدراسة المتأنية، وأن تتريث في تطبيقه، فالحماس والعاطفة يقودان إلى العجلة والتسرع، وهذه من الأسباب الجوهرية لفشل كثير من برامجنا ومشروعاتنا خصوصا الاستراتيجية منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي