تخطيط الموارد البشرية .. لم يترجم ميدانياً

لم يعد لدى الأساتذة والمعلمين في قطاع التعليم العام أو العالي، في القطاع الخاص، إلا حوار الأجور والحقوق والصلاحيات والأمن الوظيفي. مع أن ماهية البرامج والمقررات ومحتواها، ومستوى التحصيل الدراسي وأخلاقيات الطلاب شؤون لا تقل أهمية، إلا أنها لا تجد نفس الاهتمام عملياً. بإجراء مسح ميدان عشوائي العينة على مدى ستة أشهر تقريبا، وجدت أن الموضوع أعمق من أن ينظر إليه من زاوية واحدة أو لفئة محددة أو في مؤسسة واحدة عامة أو أهلية. فقد شمل الموضوع أساتذة القطاع الحكومي أيضاً، ولقد استنتجت أن هناك عدة أسباب جوهرية أجدها في الصحف ولكن لا يوجد ما يحددها حجما وأهمية وأولوية في النشر العلمي المحلي على الأقل. إن من أهم أسباب ذلك هو عدم نشر الدراسات السابقة في تطوير الشؤون التعليمية وإطلاع المنسوبين والمسؤولين عليها كنوع من شفافية التعامل مع أوضاع التعليم، حيث كان ذلك غائبا تقريبا. من ناحية أخرى كان المخزون المعرفي محدود المواضيع، والتوجه الفكري لا يؤدي إلى حلول فعلية، بل عوضا عنه كان ''هز الأكتاف'' تعجبا أو لعدم دراية أو لسبب آخر هو الرد. هنا أجد أنه أصبح من الضروري جدا مشاركة أولياء الأمور أو أصحاب القضية الأساس في إيجاد المخارج ومحاولة التعديل في وقت أقصر وبشكل منظم وبآلية منهجية وبمخرجات ذات قيمة عالية، متحملين المسؤولية معاً مع المعلمين والأساتذة المعنيين بالتطوير والنقلة النوعية في التعليم. كل ذلك من أجل أبنائنا عدة المستقبل، كما نقول في كل محفل.
إذا ما أردنا تناول الموضوع من زواياه الرئيسة، فبداية يمكن القول: إن من الأسباب المؤدية إلى ذلك عبارة عن جوانب يمكن تلخيصها قي التالي: من الناحية الاقتصادية ففي كثير من الأنشطة الاستثمارية مؤسسات القطاع الخاص: (1) لا تبدأ أنشطتها الاستثمارية بدراسة جدوى اقتصادية لأي استثمار فكيف بالتعليم؟ (2) لا تكون لها استراتيجية وخطط تنفيذية واضحة تحدد المسار وتعين القائمين على السير بدون التسبب في حدوث عقبات أو وجود خلل أو اعتلال. أما علميا فـ (1) لا تبدأ بقياس مستوى الأداء بعد البدء في مشروعها التعليمي إما لعدم معرفة بأهمية ذلك أو للتسرع في الوصول إلى نسب عالية من المكاسب. (2) ولا تهتم بنتائج أي دراسات أو تحليل للمعلومات للاستفادة منها في تطوير العمل وتحسين الدخل. (3) تفتقد النظرة العامة للتخصصية، فإما أن يكون المالك تاجرا عاديا أو مستثمرا في قطاع مختلف تماما عن التعليم، وبالتالي يكون الاهتمام بالعائد قبل نتيجة التعليم (هنا عدة نقاط منها الأجور)، حيث تغيب النظرة الاقتصادية المبنية على النوعية وبسط السمعة التجارية أو العلمية على أكبر مساحة ممكنة ولزمن طويل وبصفة مستدامة. إداريا هي (1) تفتقد لنظام موارد بشرية صحيح يبدأ من تحديد الاحتياج منتهيا بتقاعد أو تكريم المنسوب وإعداد قواعد بيانات جيدة. (2) لديها النزعة الدائمة للخروج عن النص (اللوائح التشريعية) لإثبات المخالفة فيعرفون ومن ثم ينعتون بأنهم الأفضل والمتمكنون من وسائل أحسن ولديهم الحجج أمتن على مستوى العامة. أما موضوع المسؤولية الاجتماعية فلا تتضح بشكل جلي، لأن الأمر يختلط بين الإنفاق على حفل أو دعم برنامج تدريبي يؤهل عددا من المرشحين لوظيفة معينة أو ما أشبه. فهي تحاول تبني برامج الجودة الحقيقية، ولكن هناك مائة ''لكن'' في مسارها للجودة الشاملة.
من ناحية الوزارة، فالظاهر (وجهة نظر شخصية) أن في المستوى العلمي العام في المراحل الثلاث الأولى تأكد وجود: (1) ضعف المراقبة والمتابعة مع المرونة في تطبيق الأنظمة، ليس فقط من الناحية التعليمية والإدارية ولكن حتى الإنشائية والخاص بالنقل والاستعداد التقني. (2) استمرار المعاناة إلى نهاية الخطة الخمسية التاسعة وذلك واضح من واقع مدارسها وعدالة توزيعها في المناطق ومستوى الكادر التعليمي وتعامله مع الحركة التعليمية وقفزاتها منهجيا وتقنيا وبنائيا عمرانيا... إلخ. (3) عدم انضباط منسوبي الوزارة في المناطق، ويغلب عليهم اتخاذهم الأمور الاجتهادية في تفسير اللوائح وإصدار القرارات دون التحقق من الأمور والتسرع في تحقيق الإنجازات دون الاهتمام بالتفاصيل. (4) خلل حيال تبني التقنية في العمل وتطوير البرنامج بشكل حثيث. (5) تأثير النظام المالي في تنفيذ الخطط، ما يوقعها في تأخير تنفيذ برامجها بشكل سنوي وكل خمس سنوات. (6) ضعف تنسيق بين الوزارات المعنية بالموارد البشرية وتوفير فرص العمل وتنظيم التعامل معهم والتخطيط لمستقبل تنموي متكامل الجهود. فمثلاً: التنسيق مع وزارة التعليم العالي في إِعداد والأَعداد المطلوبة للمعلمين والمعلمات خلال 25 سنة مقبلة، ومع وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل في الاهتمام بشؤون نظم العمل وتنظيم القوى العاملة الوافدة، ووزارة الصحة وهيئة الهلال الأحمر في الشأن الصحي بشكل عام، ووزارة التجارة ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الداخلية بتمثيل مديرية الدفاع المدني في كافة الشؤون المختلفة الباقية. أما من ناحية وزارة التخطيط فالجهود المشتركة ستزيد من الربط إذا تحركت وزارة التخطيط لتحفيز باقي الوزارات بالتفاعل الإيجابي مع وزارة التربية والتعليم. هذا لا بد أن ينتهي إلى دراسة واسعة، توفر الكثير من الأجوبة وتغير ملامح القضية، تجدد ولاء العاملين بشكل يعود على المؤسسة حكومية كانت أم أهلية بأفضل النتائج. والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي