رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كفاءة المصارف السعودية في الميزان

قام مجموعة من الباحثين بإجراء دراسة على المصارف السعودية بهدف قياس الكفاءة الفنية للمصارف السعودية. يتوقع أن تنشر الدراسة تحت عنوان ''الكفاءة الفنية للمصارف السعودية'' نهاية الشهر المقبل في المجلة العلمية ''أنظمة الخبرة وتطبيقاتها''.
لا تعد الدراسة سابقة في قياس الكفاءة الفنية للمصارف السعودية، حيث سبقتها مجموعة من دراسات مشابهة نشرة في محافل علمية ومهنية مختلفة طيلة العقدين الماضيين. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن ما يميز هذه الدراسة حداثة معلوماتها كونها تغطي الفترة من 1999 إلى 2008.
ومن الأهمية بمكان مراجعة تعريف الكفاءة الفنية قبيل الخوض في تفاصيل الدراسة. تعرّف الكفاءة الفنية على أنها شطر الكفاءة الاقتصادية الذي يهتم بتشغيل المنشأة حسب الموارد المتاحة. والكفاءة الاقتصادية تشمل الكفاءة الفنية والكفاءة السعرية. فعلى سبيل المثال تعتبر المنشأة (أ) أكثر كفاءة فنية من المنشأة (ب) إذا استطاعت إنتاج مستوى أعلى من الإنتاج بالقدر نفسه من التكاليف. كما أن المنشأة تكون أكثر كفاءة سعرية إذا استخدمت الموارد بالطريقة التي تعظم أرباحها.
حاولت الدراسة قياس الكفاءة الفنية للمصارف السعودية من خلال محاولة الإجابة عن أربعة أسئلة رئيسة. الأول: ما نتائج المصارف السعودية من منظور الكفاءة الفنية؟ والثاني: ما ترتيب تصنيف المصارف السعودية في مؤشر الكفاءة الفنية؟ والثالث: ما العلاقة بين درجة الكفاءة الفنية للمصارف السعودية وحجم الأرباح السنوية الموزعة على المساهمين؟ والرابع: ما العلاقة بين نتائج قياس الكفاءة الفنية للمصارف السعودية وطبيعة ملكية رساميل المصارف السعودية.
وكنوع من الاستطراد في جزئيات السؤال الرابع، فإن المصارف السعودية يمكن تقسيمها إلى مجموعتين من ناحية طبيعة ملكية رساميلها. فالأولى مصارف وطنية ذات ملكية سعودية كاملة، وتشمل الأهلي، الرياض، الجزيرة، سامبا، الراجحي، البلاد، والإنماء. والثانية مصارف وطنية ذات ملكية جزئية بوجود رساميل غير سعودية، وتشمل ساب، الهولندي، الفرنسي، العربي، والاستثمار.
يضاف إلى هاتين المجموعتين مجموعة أخرى من المصارف الأجنبية العاملة في السوق السعودية يقارب عددها 11 مصرفا من خلال فروعها المختلفة. استثنت هذه المجموعة من عينة الدراسة عطفاً على حداثة هذه المصارف في العمل في السوق السعودية.
اعتمدت الدراسة في منهجيتها على نموذج رياضي لقياس الكفاءة الفنية في المنشآت الإنتاجية والخدمية يعرف باسم ''نموذج تحليل مغلفات البيانات''. استخدمت الدراسة ست قيم من واقع التقارير المالية السنوية للمصارف السعودية خلال الفترة من 1999 إلى 2007 لتحليلها من منظور هذا النموذج الرياضي.
شملت القيم إجمالي القروض والسلف، والاستثمارات، والمطلوبات من المصارف، وإجمالي عدد الموظفين، وإجمالي الأصول الثابتة، وإجمالي الودائع. أجرت الدراسة بعد ذلك مجموعة من أدوات البرمجة الخطية باستخدام المدخلات الستة أعلاه لقياس الكفاءة الفنية للمصارف السعودية.
شملت عينة الدراسة تسعة مصارف من المجموعتين الأولى والثانية أعلاه، هي الرياض، والجزيرة، وسامبا، والراجحي، وساب، والهولندي، و الفرنسي، والعربي، والاستثمار. استثني من العينة البنك الأهلي التجاري، لعدم إدراجه في السوق المالية السعودية، والبلاد والإنماء لحداثة تجربتيهما.
تمثل إجمالي أصول المصارف التسعة في عينة الدراسة من إجمالي أصول القطاع المصرفي نحو 78 في المائة، حسب التقرير السنوي رقم 46 لمؤسسة النقد العربي السعودي. تعد هذه النسبة مرتفعة جداً، مما يعزز إمكانية تعميم نتائج الدراسة على كامل القطاع المصرفي السعودي.
توصلت الدراسة إلى أربع نتائج عملية رئيسة من المفيد مدارستها بهدف التعرف على الكفاءة الفنية للمصارف السعودية، وتحديد مكامن آفاقها المقبلة وتحدياتها.
النتيجة الأولى أن الكفاءة الفنية للمصارف السعودية مجتمعة خلال الفترة من 1999 إلى 2007 شهدت سلوكين متسلسلين. حيث سلكت المرحلة الأولى (1999-2003) اتجاها تناقصيا في معدل الكفاءة الفنية حتى وصلت إلى أدنى مستوياتها في 2003 مسجلة معدلا سنويا بمقدار 80.74 في المائة. بمعنى آخر أن المصارف السعودية كانت تعمل خلال 2003 وهي غير مستثمرة أو مستخدمة لنحو 20 في المائة من إمكاناتها الفنية. ثم بدأ بعد ذلك معدل الكفاءة الفنية بسلوك مستوى تصاعدي خلال المرحلة الثانية (2004-2007) حتى سجل أعلى مستوى له في 2006 عند معدل سنوي بمقدار 91.82 في المائة. بمعنى آخر أن المصارف السعودية كانت تعمل خلال 2006 وهي غير مستثمرة أو مستخدمة لنحو 8 في المائة من إمكاناتها الفنية.
والنتيجة الثانية أن الكفاءة الفنية للمصارف السعودية منفردة، تباينت من كفاءة فنية عالية إلى منخفضة. حيث حقق كل من بنك الرياض والبنك السعودي للاستثمار أعلى معدلات الكفاءة التشغيلية بوجودهما في المراكز الثلاثة الأولى لستة أعوام مختلفة خلال الفترة من 1999 إلى 2007، ''كفاءة فنية عالية''. يليهما بنك ساب، والبنك العربي الوطني، والبنك السعودي الهولندي بوجودهما في المراكز الثلاثة الأولى لأعلى معدلات الكفاءة التشغيلية لأربعة أعوام مختلفة خلال الفترة من 1999 إلى 2007، ''كفاءة فنية متوسطة''. ثم يليها مصرف الراجحي ومجموعة سامبا المالية، والبنك السعودي الفرنسي، وبنك الجزيرة بوجودها في المراكز الثلاثة الأولى لعامين أو أقل خلال الفترة من 1999 إلى 2007، ''كفاءة فنية منخفضة''.
والنتيجة الثالثة أن معدل الأرباح السنوية الموزعة على المساهمين من إجمالي الأرباح السنوية المحققة، تتناسب تناسبا طردياً مع معدل الكفاءة الفنية السنوية. بمعنى آخر، أنه كلما سجل المصرف معدل كفاءة مرتفعا خلال العام المالي الواحد، فإن معدل الأرباح الموزعة من أصل الأرباح المحققة سيكون مرتفعا، والعكس صحيح.
والنتيجة الرابعة أن معدل الكفاءة الفنية للمصارف السعودية الوطنية ذات الملكية السعودية الكاملة سجل معدلات كفاءة فنية، أعلى من مثيلاتها من المصارف الوطنية ذات الملكية المشتركة مع رساميل غير سعودية. بمعنى آخر، أن القيم المضافة من الاستثمار الأجنبي، والمتمثلة في الخبرة العملية ونقل المعرفة، لم يتم توظيفها التوظيف الأمثل لدعم الكفاءة الفنية للمصارف السعودية ذات الرساميل غير السعودية.
تقودنا هذه النتائج إلى أن مستوى الوعي لدى القطاع المصرفي السعودي في توظيف الموارد المالية وغير المالية توظيفاً مثالياً لتنمية الأرباح، قد تحسن خلال السنوات الماضية. يعزز ذلك التحسن القراءة المستقبلية لنمو القطاع المصرفي السعودي و تطوره خلال الفترة المقبلة متى ما تحقق أمران. الأول تواجد الكفاءة الفنية على أولويات إدارات المصارف السعودية كأحد العوامل المراد تطويرها في القريب العاجل.
و الثاني أهمية الاستفادة من التحديات الاقتصادية نهاية العقد الماضي، وما صاحبها من تراجع النمو الاقتصادي، وزيادة معدلات الفائدة في التعامل الأمثل مع الموارد المالية وغير المالية خلال الفترة المقبلة. تحديات جسام تواجه القطاع المصرفي السعودي خلال الفترة المقبلة تدعونا إلى التفاؤل بنتائج التعامل معها، معتمدين على ثقتنا بالقطاع المصرفي السعودي ومتانة مركزه المالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي