سعودة المهن ضرورة .. علينا الإسراع في تحقيقها
أسعار الخدمات التي يقدمها مهنيون أجانب كبيرة جدا وكلنا يلمسها فما إن تطلب بعض الإصلاحات البسيطة في المنزل من كهرباء أو سباكة لا تستغرق ساعة أو أقل تطلب العمالة 100 ريال على الأقل وهناك إصلاحات بمائتين وثلاثمائة وأكثر، أما تكاليف إصلاح السيارات والأدوات الكهربائية والإلكترونية فحدث ولا حرج فالأسعار غير منطقية، ولنا أن نتخيل حجم الإيرادات اليومية والشهرية لهذه العمالة التي تعمل لأكثر من 12 ساعة يوميا. وكلنا يعلم أن الاستثمارات في معظم الأنشطة الخدمية في مناطق المملكة كافة تخص الوافدين تحت غطاء جريمة التستر المتغافل عنها.
المحزن أيضا أن العمالة الوافدة التي تستثمر جهودها في الأنشطة المهنية ترى في المواطن السعودي منجم ذهب، خصوصا إذا كان من سكان المناطق الراقية فتجدهم يبالغون في الأسعار بشكل خيالي، ولقد روى لي صديق أن كهربائيا طلب منه خمسمائة ريال لإصلاح مشاكل الهاتف وهو عمل يستغرق حوالي ساعة وعندما رفض السعر استغرب الكهربائي الوافد قائلا أنت سعودي "فلوس كثير" ويضيف أنه اتفق مع كهربائي آخر في محلة دون أن يعلمه بموقع المنزل وحجمه فوافق بمائة ريال ولم يستغرق عمله أكثر من نصف ساعة.
سيطرة الوافدين على الأعمال المهنية (سباكة، كهرباء، حدادة، صيانة سيارات وأجهزة كهربائية وإلكترونية، أعمال التشييد والبناء من بويات ولياصة وتركيب أرضيات وأسقف ومطابخ وغيرها كثير) أدت لمشكلات متعددة أولها تعزيز البطالة الهيكلية حيث يقبع أبناؤنا في البيوت بلا عمل وينعم الوافدون بهذه الوظائف والفرص الاستثمارية المدرة للأموال الكبيرة، وثانيها زيادة أعداد الوافدين الذين وصلوا لحوالي 9 ملايين، الذين يضغطون على الخدمات والبنى التحتية من كهرباء وماء وصرف وغيرها مما زاد الضغط على هذه الخدمات، الأمر الذي يتطلب استثمار مليارات الريالات في تطوير البنى التحتية لهذه الخدمات، وثالثهما تعزيز التحويلات الكبيرة التي جعلت بلادنا في المركز الأول في تصنيف حجم الحوالات المالية الخارجية بعد أن كانت الولايات المتحدة متربعة على هذا المركز فترة طويلة.
ولو كانت هذه التحويلات من عمالة ماهرة متميزة ذات إضافة للاقتصاد السعودي ترفع من قيمة الإنتاج المحلي القابل للتصدير كما هو الحال في الولايات المتحدة لكان الأمر هينا، ولكن كلنا يعلم أن معظم العمالة الوافدة عمالة غير متعلمة وغير ماهرة تتعلم في بلادنا وأثر تعلمها واضح ومؤلم في المباني التي عملوا في تشييدها وفي كل مكان عملوا فيه للأسف الشديد، وهي عمالة يمكن أن تستبدل بجيوش العاطلين من أبنائنا ذكورا وإناثا لو بذلنا جهودا مخططة ومتواصلة وحثيثة لتحقيق عملية إحلال ناجحة في وقت زمني مستهدف.
نعم فليس معقولا أن تتنامى البطالة وضعف دخل الأسر السعودية جنبا إلى جنب مع نمو الفرص الوظيفية والاستثمارية في بلادنا ونمو التحويلات السنوية إلى الخارج بشكل مفزع و تنامي الضغط على الخدمات الأساسية، ولنا أن نتصور لو أن نصف ما قدرته مصادر اقتصادية ومصرفية من أرقام فلكية حجمها بـ 616 مليار ريال خلال السنوات العشر الماضية عبر القنوات الرسمية (1.2 تريليون ريال عبر قنوات «الاقتصاد الأسود») يتبقى في البلاد ويتحول إلى دخول للمواطنين على شكل رواتب أو إيرادات استثمارية، ولو أننا استغنينا عن نصف العمالة الوافدة لمصلحة العمالة الوطنية كيف سيكون حجم الطلب على الخدمات الأساسية وحجم الانخفاض في الموازنات المطلوبة لتوفيرها.
المشكلة كبيرة ولن يسعدنا تحقيق مراكز متقدمة في مجال التحويلات المالية كما نحقق مراكز متقدمة في نسب البطالة ونسبة الأجانب إلى السكان ويجب تعليق الجرس عاجلا لمعالجتها جذريا بخطط استراتيجية ذكية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وأعتقد أن سعودة المهن لم تعد مسألة ترف بل باتت ضرورة ملحة وعلينا أن نجد حلولا سريعة وفاعلة لسعودة المهن بنسب عالية تتجاوز الـ 80 في المائة على الأقل من خلال العمل في المسار التشريعي بإصدار تنظيمات فاعلة وفق خطة إحلال سنوية مدعومة بخطط تنفيذية صارمة توفر لها متطلبات التنفيذ كافة على أرض الواقع، وخطط إعلامية توعوية تجعل من العمل المهني المدر للإيرادات الكبيرة عملا وطنيا كما جعلنا من الحراسات الوطنية عملا وطنيا رغم ضعف الرواتب التي تصل في كثير من الأحيان لألف وخمسمائة ريال ويقبل عليها السعوديون تحت وطأة الظروف الاقتصادية الشديدة.
أيضا يجب دعم الأنظمة والحملة التوعوية بإنشاء جمعية مهنية لكل الأعمال المهنية مهمتها الترخيص للعمالة المهنية الوطنية والوافدة وفق نسب محددة ولا يسمح لأحد بالعمل في أي مهنة دون الاشتراك في هذه الجمعية والحصول على الترخيص بمزاولة العمل بها على أن تقوم هذه الجمعية بوضع اشتراطات تعمل في محصلتها على تنظيم وتطوير وحماية سوق الأعمال المهنية وجعلها سوقا جاذبة للمواطنين من الجنسين كل بما يتوافق مع طبيعته، مع المحافظة على الأسعار في نطاقات معقولة تمنع التضخم في هذا القطاع ، الذي يشهد تلاعبا كبيرا حاليا من قبل العمالة الوافدة التي يرى أغلبها في العميل السعودي ضحية يجب سلبها أكثر من كونه عميلا يجب إرضاؤه والمحافظة عليه.
ختاما أقول إن سوق الأعمال المهنية سوق كبيرة ومجزية الإيرادات وبات من الضروري التوجه لاستثمارها في معالجة مشاكل البطالة والعمالة الوافدة الزائدة والتحويلات الكبرى والضغط على الخدمات والبنى التحتية بخطط مدروسة توازي خطط التعليم والتدريب، التي تنفذها بلادنا حاليا وتصرف عليها عشرات المليارات بكل سخاء أملا في استثمار مواردنا البشرية الوطنية التي تعتبر الثروة الحقيقية لبلادنا.