نداء من حاج...
من منى الطيبة أكتب هذا المقال بعد أن وقف الحجاج في عرفة وباتوا في مزدلفة ورموا جمرة العقبة في منى وحلقوا أو قصروا وطافوا طواف الإفاضة وسعوا سعي الحج .. وها هي جموع الحجيج تبيت في منى وترمي الجمرات الثلاث (الصغرى والوسطى والكبرى)، ثم تتهيأ الجموع لإكمال مناسكها وتستعد لطواف الوداع .. وبمناسبة هذه الشعيرة العظيمة فإني ألتمس من المسؤول والقارئ تأمل هذه النقاط التي تمثل تنبيها لقضايا أرى أهميتها ليتفطن لها المسؤول ويناقشها القارئ .. ولن أتطرق للمشاريع والخدمات الكبيرة التي قامت بها الدولة؛ لأنها واضحة للعيان .. وعلى كل لسان .. ولكن سأتطرق للأمور السلبية التي شاهدتها في حج هذا العام وتحتاج إلى معالجة ولو في السنة المقبلة، وهي مرتبة في النقاط الآتية:
1- عند الخروج من عرفة ينتشر الناس في منافذها كالسيل .. يلتمسون المخارج القريبة من مواقف سياراتهم وأتحدث هنا عن الراجلة - فتجد المئات من الناس يصعدون محابس أسمنت رفيعة جدا، وشديدة الانحدار، حتى إن بعضهم استخدم الحبال - التي تستخدم في النزول من الجبال الشاهقة - لغرض تأمين حياة الرجال والنساء المصرين على نزول هذه المنحدرات، وقد كان النزول من هذه المنحدرات معرضا لهم للخطر، وفي ظل عجز الجهات المعنية في السيطرة على هذه المنافذ بسبب اتساع عرفة، فإني ألتمس من المسؤولين وضع مدرجات في جهاتها المتعددة لتسهم في تأمين خروج الحجاج بأسلوب آمن.
٢ -عند خروجنا من عرفات علقت السيارات الخارجة من الموقف المجاور لها مما أدى إلى بقائها لمدة تزيد على الساعتين ونصف الساعة، وفي الموقف عشرات من حافلات النقل الجماعي الكبيرة ثم اتجهت السيارات إلى مزدلفة فعلقت لأكثر من ساعتين ونصف الساعة فوصلنا إلى مزدلفة بعد خمس ساعات وأعتقد أنها مده طويلة ولا سيما في ظل تشغيل القطار الذي يفترض أن يخفف من الزحام ويسهم في تسريع مدة التفويج. وهذا يقودنا إلى النقطة الثالثة.
٣ -الملاحظ أن القطار يتنقل بأعداد منخفضة وقد شاهدته مرات عدة لا تمتلئ نصف مقاعده فما السر في ذلك؟ ولماذا لا تمتلئ مقاعده لتخفف من هذه الأعداد الهائلة عند التنقل بين المشاعر؟ ولماذا لا تخفض التكلفة لتكون بقيمة عشرة ريالات مثلا؟
٤ -ضياع الحجاج ظاهرة واضحة لكل حاج وهو أمر متوقع في ظل الأعداد المليونية وقد حدثني أحد الجنود أنه مر به وحده أكثر من 25 حالة ضياع ومر بي شخصيا عدد لا بأس به من هذه الحالات والمشكلة أن كثيرا من الكشافة والأفراد أصحاب الصلة ليسوا من أهل مكة العارفين بها وقديما قيل (أهل مكة أدرى بشعابها)، وهذا كان له أثره الواضح في عدم معرفتهم بالعديد من مواقع المشاعر والمخيمات وهنا لا بد في نظري من أحد أمرين:
إما التركيز على شباب مكة ولا سيما في أفراد الكشافة وإما افتتاح مقر تدريب للكشافة وغيرهم من غير أهل مكة لأخذ تصور واف ودقيق عن المواقع الحكومية والطرق والمشاعر والمخيمات .. إلخ.
٥- اتجهنا إلى الجمرة الكبرى صبيحة العيد وبعد أن كدنا نصل جاءت لوحة تشير إلى طريق الدور الرابع للجمرة فانحرفت فئام غفيرة إلى الجهة الأخرى للمسير باتجاه الأدوار الأخرى ففوجئت هذه الأعداد الغفيرة بأنهم يعودون إلى حيث أتوا في طريق مكتظ بالحجاج فأصبح المسير إلى الجمرة مضاعفا لأنهم وجدوا أنفسهم في طريق الرجعة مما اضطر عددا من الحجاج لتسلق السياج الحديدي وأوجد فوضى عارمة في واجهة بعض البوابات المغلقة مما أدى إلى تساقط بعض كبار السن إثر التزاحم وقد تساءل عدد من الحجاج عن سبب تقليل البوابات المؤدية للجمرات؟ وهذا تساؤل أضعه بين يدي المسؤولين..
٦- ظاهرة الافتراش أخذت في الانحسار ولا سيما في منى إلا أنه لا تزال أعداد لا بأس بها تفترش الطرق والممرات ولا سيما بين المخيمات ووالله إنه يكسر الخاطر وجود بعض الأطفال والضعفاء بين هؤلاء المفترشين وكثير من هؤلاء لا تتيسر له تكاليف الحملات وهنا أنادي بضرورة مراعاة أمرين: أحدهما تقليل تكلفة الحج في الحملات وهذه قضية تحتاج إلى مقال مستقل. والثاني احتواء هذه الأسر المفترشة بجهة مستقلة كحالات الطوارئ التي تحتاج إلى عناية خاصة.
٧- انتشار القاذورات في المشاعر أمر لافت لنظر كل حاج ومع شعورنا بصعوبة معالجة هذه الظاهرة في ظل الأعداد الكبيرة والزمن المحدود للانتقال بين المشاعر إلا أن هذا إن أمكن تبريره في عرفة ومزدلفة فإنه لا يمكن تبريره أبدا في مشعر منى والله أسال أن يوفق الدولة ومؤسساتها المختلفة للقيام بهذا العبء الكبير الملقى على عاتقها وأن يجزيها خيرا على جهودها الكبيرة التي لا يتجاهلها إلا مكابر.