العروض السياحية الداخلية وتعزيز الانتماء للوطن
السياحة الداخلية المتناولة اقتصاديا والتجول في أنحاء الوطن العزيز في جولات سياحية أثناء الإجازات الموسمية كإجازة عيد الأضحى، أمنية لكل مواطن رجلا كان أو امرأة ليتعرف على أرجاء الوطن على أرض الواقع، ولكن وللأسف الشديد ما زالت العروض نادرة أو غائبة بل على العكس تماما فما إن تأتي الإجازة أيا كانت إلا وتضاعفت أسعار الفنادق والشقق المفروشة بالضعف أو الضعفين ليعجز عن السياحة الداخلية إلا أصحاب الدخول المتوسطة العليا والدخول العالية.
في دراسة بعنوان "اتجاهات الأسرة السعودية نحو السياحة الداخلية" للدكتور صالح الرميح من جامعة الملك سعود اطلعت عليها في موقع المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والإنسانية توصل الباحث إلى أن اتجاهات أغلب المجيبين من الجنسين تتمثل في أن السياحة تؤدي إلى متعة نفسية، وأن السياحة تزيل الملل، وأنها حق لكل أسرة، وأن السياحة تبرر ما يصرف عليها، وأن السياحة تعمق المعرفة بالآخرين، وأن السياحة تزيد من التعرف على عادات الشعوب الأخرى وتقاليدها. كما أنهم يفضلون السياحة في داخل المملكة بسبب توافر الأمن، وأكدت المجيبات من النساء بنسبة أكثر من الرجال بأن السياحة داخل المملكة تزيد من حرية المواطن، وأن الدخل عامل مؤثر في الاتجاهات الإيجابية والسلبية نحو السياحة، وأن المعوقات المالية والمعوقات المتعلقة بعدم توافر الوقت اللازم للسياحة هما أكثر المعوقات التي تعوق السياحة الداخلية في المملكة.
ويقول أحد الأصدقاء إنه ذهب إلى الأردن في الإجازة الصيفية وإنه ذهل من كثرة العروض للسياحة الداخلية وللدول المجاورة سورية ولبنان وتركيا كما ذهل من أسعارها، الأمر الذي جعله يشارك في أحدها لسورية هو وأسرته بسعر في متناول الطبقة المتوسطة الدنيا، وأنه جال في معظم مدن سورية انطلاقا من الشام ثم اللاذقية ثم حمص فرأس البسيط ثم حلب رجوعا للشام، جالوا في تراث تلك المدن ومعالمها الجغرافية والتاريخية وتعرفوا على أهلها وألفوها، الأمر الذي جعله يعود السنة التي تليها لزيارة تلك المناطق بسيارته بحرية تامة.
وإذا جمعنا بين ما قالته الدراسة من أن أكبر المعوقات المالية من أكثر المعوقات وأن الدول الأخرى المجاورة لديها برامج سياحية داخلية وللدول الإقليمية المجاورة بأسعار معقولة لتوصلنا إلى ضرورة معالجة مشكلة الأسعار المرتفعة من خلال البرامج السياحية الداخلية والإقليمية التي تشتمل دول الخليج المجاورة وهي برامج ممكنة إذا تم التخطيط لها من قبل شركات مهنية محترفة مبكرا وتم الترويج لها بخطط ترويجية فاعلة تصل بالرسائل الترويجية للشرائح المستهدفة في الأوقات المناسبة.
وبالنسبة لعائق الوقت فنحن ولله الحمد دائما ما ننعم بإجازات طويلة تتجاوز الأسبوع مثل إجازة عيد الفطر وإجازة عيد الأضحى وإجازة الربيع وإجازة الصيف، وبالتالي فلدينا مواسم متعددة يمكن أن تقوم الشركات باستثمارها من خلال ترتيب رحلات سياحية داخلية للشباب وللأسر تتناسب وطبيعة الشباب الذين يبحثون عن المغامرات والحركة والنشاط وطبيعة الأسر التي تريد المعرفة والترفيه في المدن الترفيهية والمطاعم والشواطئ والأجواء المناخية الجميلة وغيرها.
أيضا هناك المجاميع الذين من الممكن ترتيب رحلات داخلية لهم مثل طلاب المعاهد والجامعات الحكومية والخاصة وبعض موظفي القطاعات الذين يعتبرون النشاط الترفيهي السنوي جزءا من أنشطة إدارات العلاقات العامة لديهم لصناعة الثقافة المؤسسية الموحدة التي تشكل بالنسبة لهم أحد أهم عناصر تحقيق الكفاءة المؤسسية.
وإذا خرجنا من أهمية إيجاد عروض سياحية داخلية لتلبية حاجات المواطنين الترفيهية فإننا سنجد أنفسنا إذا لم نلب هذه الحاجات ستضيع علينا ثروات اقتصادية وستضيع علينا فرص لتحل محلها مخاطر، نعم فهناك نحو 14 مليار ريال يصرفها السعوديون على السياحة خارج المملكة يجب تقليصها لصالح السياحة الداخلية لما لذلك من مردود اقتصادي إيجابي وهو أمر مهم وحيوي، ولما له من مردود وطني أيضا أن السياحة الداخلية تعزز الولاء والانتماء للوطن، فكل ما هو قريب من العين قريب من القلب، وبالتأكيد كلما رأى المواطن مناطق وطنه وتواصل مع سكانها أصبح أكثر حبا له ولأهله، وكلنا يعلم أن الكثير من المواطنين الذين اعتادوا السفر لمناطق خارج البلاد أصبحوا يحبونها ويزورونها بشكل مستمر وكأنها ديارهم.
ختاما: لا أعلم ما أسباب التأخر في توفير عروض سياحية داخلية مغرية تجذب شباب وأسر الوطن ولكني متأكد بأننا نعاني ندرة إن لم يكن غياب هذه العروض وأننا نعيش مخاطر غياب هذه العروض الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في حين أننا أمام فرصة كبيرة في مملكة تغص بالمناطق السياحية الجذابة بشواطئها وتراثها ومناخها وجغرافيتها وأهلها الطيبين فهل من خطة خمسية للوصول لوفرة كبيرة في عروض السياحة الداخلية؟