مواسم أمة مجيدة
في كل عام تطل علينا مناسبات عدة، ولكل مناسبة طعمها المميز لها والخاص بها، حيث يشعر المسلم بشعور يتناسب وطبيعة المناسبة التي تمر به ويعيشها أو يؤدي ما يجب عليه فيها. رمضان المبارك يحدث تغيرا في حياة المسلمين حين يمتنعون طوال شهر كامل عن الأكل والشرب خلال النهار، وحين يقومون الليل له شعور مميز، ثم لا نلبث بعد عيد الفطر إلا ونبدأ نستعد بصورة رسمية، وغير رسمية لمناسبة جليلة أخرى ألا وهي موسم الحج العظيم. الحج الذي تستمر شعائره لخمسة أيام يبقى له طعم خاص، خاصة لأولئك الذين يفدون من خارج المملكة ويحلمون بزيارة البيت العتيق وأداء فريضة الحج التي ربطها الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ بالقدرة والتمكن، ومع هذا الشرط ألا وهو شرط الاستطاعة، إلا أن المسلمين في جميع أصقاع الأرض يخطط كل واحد منهم لأداء الفريضة منذ صغره ويبدأ يعد العدة لذلك، حتى إن بعضهم يدخل في برنامج الحج القائم على الاشتراكات السنوية التي يقدمها الفرد لتناله فرصة الحج وفق نظام متبع، كما في الوضع في ماليزيا.
تابعت مقابلة تلفزيونية على إحدى القنوات الفضائية أجريت مع حاج فرنسي دخل الإسلام ويتهيأ للقدوم للحج هذه السنة، تابعته، وهو يصف مشاعره الغامرة ليس في الوقوف بين يدي الله، سبحانه وتعالى، وفرصة العمر لأداء هذا المنسك فحسب، ولكن شوقه لمشاركة إخوانه المسلمين هذه المناسبة ولقائه بهم.
كان الحاج يعبر عن مشاعره بعفوية تامة تعكس المشاعر العميقة في داخله وهو يستعد لهذه المناسبة. كان يتهيأ معرفيا بمساعدة زوجته ذات الأصول العربية التي تقرأ عليه وتعلمه مناسك الحج ومراحله، وكان يتهيأ نفسيا، وذهنيا حيث عبر عن هذا حين وصف مراحل الحج والشعور الذي يراوده إزاء كل مرحلة من هذه المراحل.
تابعته وهو يعبر عن شعوره حين الوقوف بعرفة، وما يرافق ذلك من هدوء وسكينة لا بد أن تتحقق عند كل مسلم، وهو يقف على هذا الصعيد الطاهر؛ لأنه في هذا الموقف يستشعر عظمة الله، ويرجو رحمته التي يطمع بها كل مسلم. لقد ربط المسلم الفرنسي بين الوقوف بعرفة، وما يصاحبه من سكينة بنهاية عمر الإنسان التي يفترض أن تكون بسلام ليعود الإنسان إلى ربه راضيا مرضيا عنه بعد حياة مليئة بالمتاعب.
العشر الأوائل من ذي الحجة، وكذا أيام التشريق لها طابع مميز، حيث تعمر شوارع، وأسواق ومدن المسلمين بالتكبير، والتهليل، والحمد، أو هكذا يجب أن تكون. إن هذه الأجواء الروحانية فيها الكثير من التغيير في حياة الأفراد، والمجتمعات عامة، ذلك أن الحياة الصاخبة في المدن مع حركة السيارات، والمصانع، والقطارات تصاحبها وتخترقها هذه الأصوات الجميلة المكبرة، والذاكرة لله، وكم انتشيت، وشعرت بالزهو لانتمائي لهذه الأمة المليئة حياتها بمشاعر، وممارسات العبودية لله، التي ربما يفتقدها الكثير من المجتمعات.
موسم الحج موسم عظيم كموسم عبادة وتقرب إلى الله، لكنه في الوقت ذاته فرصة لتطوير الذات المسلمة، وكذلك المجتمعات الإسلامية، تطوير الذات من خلال تحويل هذا الموسم إلى مناسبة ينبذ فيها المسلمون خلافاتهم السياسية، والمذهبية، ومناسبة يكتسبون خلالها مشاعر، وأحاسيس تقربهم من بعضهم، وتقوي شأنهم في مواجهة التحديات الاقتصادي، والتنموية، والسياسية كافة.
موسم الحج مع التطورات الإنشائية، والخدمية التي تشهدها الأماكن المقدسة يفترض أن يتحول إلى دورة تدريبية يكتسب فيها المسلمون خصائص النظام، والنظافة والتراحم؛ حتى يعودوا إلى بلدانهم، وهم أكثر همة، واستعدادا للإسهام في تغيير تلك المجتمعات لتعود كما كانت في حقب الإسلام السابقة مضيئة، وقوية، وذات شأن، وتأثير في العالم.
إن ما تقوم به بعض الدول من تدريب، وتهيئة لحجاجها يمثل خطوة نحو الأمام في تطوير المجتمعات الإسلامية، فهل تستفيد المجتمعات الإسلامية من بعضها بعضا في برامج الإعداد والتهيئة؛ تلافيا لأي ممارسات خاطئة تضر بالفرد، وبالحجاج الآخرين، وتفسد على الناس حجهم الذي يحلمون طوال حياتهم بتحقيقه؟.. أقول مع نهاية هذا المقال، وفي هذا اليوم المبارك يوم العيد الكبير تقبل الله من الحجيج حجهم، وكل عام والجميع بخير، وأعاده الله على أمتنا، وهي أكثر قوة، ومنعة لنراها شامخة بين الأمم.