إلزامية نظام حوكمة الشركات والذكرى الرابعة لصدور اللائحة
تنفرد الهيئات الحكومية بميزة إصدار التشريعات والقوانين الملزمة والاسترشادية لوضع الأطر العامة لعمل المؤسسات في تفاعلها مع المحيط الخارجي. ومن هذه الهيئات في المملكة العربية السعودية هيئة السوق المالية Capital Market Authority ، والتي أنشئت نتيجة للحاجة الملحة وتلبية لتوجه الدولة في الاعتماد على قطاع الأعمال وتوسيع قاعدة الاستثمار رغبة في حصول النفع على الوطن. وقد أصدرت هذه الهيئة عددا من الأنظمة واللوائح التي تحكم عمل الأسواق المالية. ويبقى السؤال المطروح بشكل دائم عن مدى نجاح مثل هذه الأنظمة في ضمان عدالة السوق؟ وعن توافر البيئة الصحية للتطبيق؟
من خلال الواقع المشاهد، نرى أن هيئة السوق المالية قد فرضت نفسها كلاعب رئيس في تنظيم ومراقبة السوق السعودية. فقد قامت الهيئة منذ تأسيسها في عام 2003 بالعديد من المشاريع التي هدفت من خلالها إلى توحيد الأطر العامة للسوق، وضمان تحقيق العدالة والنزاهة بين جميع المتعاملين. وهذا الإنجاز إذا قورن بالفترة الزمنية للهيئة والإمكانات المتاحة، فإنه يعكس نجاحا كبيرا في هذا الجانب. وهذا بلا شك يظهر مدى الوعي والمسؤولية التي يضطلع بها العاملون في الهيئة. وقد أصدرت الهيئة العديد من اللوائح المنظمة للعمل بالسوق المالية والاستثمارية وكان من أبرزها وأهمها صدور لائحة حوكمة الشركات والتي ظهرت للعيان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006. ومع مرور الذكرى الرابعة في هذه الأيام لصدور هذه اللائحة، يجب أن يناقش مدى نجاح هذه اللائحة في توجيه ومراقبة الشركات خصوصا من وجهة نظر الجهات المستفيدة من هذا النظام Stakeholders.
ففي كثير من الأحيان وجود النظام المحكم لا يضمن العدالة، فاستغلال الصلاحيات والتلاعب باللوائح والأنظمة تعد من أخطر الخروقات للأنظمة والقوانين حتى في الدول المتقدمة. وتبقى مسألة القدرة على التعامل مع هذه الأنظمة كمهارات وقدرات شخصية للعاملين في السوق. ومن الملاحظ أن الهيئة بذلت جهدا كبيرا في صياغة هذه اللوائح وإعدادها واعتمادها، ولكن هذا الجهد يحتاج إلى جهد مضاعف للتعريف بهذه الأنظمة ودمجها في التركيبة الفكرية للمجتمع حتى تصبح من الحقوق الأساسية التي يعيها ويطالب بها المتعاملون في الأسواق المالية للمحافظة علي حقوق أصحاب المصالح.
لذلك أرى أن على الهيئة مسؤولية كبيرة في التواصل مع أصحاب العلاقة من خلال قنوات التواصل المتعددة. والاستفادة من مراكز البحوث والوسائل الإعلامية في تعريف جميع فئات المستفيدين بحقوقهم، والتزاماتهم. ومن الواضح أن الهيئة عمدت إلى اتباع طريقة العقوبات والتشهير بالأفراد والشركات المخالفة للائحة حوكمة الشركات. وهذا الأمر جيد، ولكن لابد أن يسبقه العديد من المراحل التنويرية، لضمان التأهيل اللازم لأفراد ومنسوبي القطاع الخاص لضمان تحقيق الهدف الرئيس من صدور اللائحة، وهو تنظيم السوق وليس جباية الأموال.