رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ثقافة التنافسية والنفس الطويل ..

نريد الحماية والدعم والتفضيل ونتهرب من التنافسية القائمة على جودة المنتج والسعر وخدمة ما بعد البيع. هذه حقيقة أكاد أجزم بها مما أقرأه ومما أسمعه ومما أراه، ولا شك أن كل دولة تريد هذا لمؤسساتها الوطنية لتستمر وتنمو حتى تصبح شركات وطنية عملاقة ولكن ليس المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
مصطلح التنافسية مصطلح غير دارج في ثقافتنا وخصوصا في الجانب الاقتصادي مقابل سيادة مصطلحات الحماية من الأجنبي والدعم المالي والعيني والتفضيل في المناقصات والمشتريات والتسهيلات الجمركية وغيرها، التي أفضت لمنشآت اقتصادية كثيرة متوسطة وكبيرة، وفي جميع المجالات تعمل وفق أبسط النظم الإدارية والمالية والتسويقية، معظمها يقوم على الفردية لا المؤسساتية؛ لذلك يختفي معظمها أو يتهاوى بمجرد وفاة المؤسس أو عند مواجهة التحديات المتوقعة، كما هو تحدي الأزمة المالية الطاحنة الحالية.
هيئة الاستثمار أطلقت مصطلح التنافسية بديلا لمصطلح الحماية؛ رغبة في ترسيخه في جميع أبعاده سواء تنافسية البيئة الاستثمارية أو تنافسية مواردها أو تنافسية مؤسساتها، انطلاقا من مهمتها كأحد الأركان الأساسية في منظومة المجالس والهيئات الاقتصادية المتخصصة التي أنشئت في المملكة في إطار برامج الإصلاح الاقتصادي والإداري بالتزامن مع صدور النظام الحالي للاستثمار في 5/1/1421 هـ (10/4/2000)، والقاضي بمبدأ المعاملة الوطنية للاستثمارات الأجنبية وحق المستثمر الأجنبي في التملك الكامل للمشروع الاستثماري وحق التملك العقاري وحق الكفالة الذاتية وغيرها. وحسب اعتقادي فإن الهيئة أطلقت مصطلح التنافسية؛ لأنها رأت فيه المدخل الاستراتيجي الأمثل للعناية بشؤون الاستثمار، بشقيه الوطني والأجنبي، والعمل على تهيئة وتحسين مناخ الاستثمار في المملكة، وتطوير الأنظمة والسياسات والإجراءات المتعلقة به.
الفكرة المركزية لتعزيز تنافسية المملكة هي المساهمة الفاعلة في تحقيق نمو اقتصادي يفوق النمو السكاني وما يترتب على ذلك من نمو بالفرص الوظيفية والمنتجات والخدمات تفوق الطلب الناتج عن النمو السكاني، وهي فكرة لا يمكن أن تكون بحال من الأحوال فكرة ترويجية لمصطلح التنافسية؛ إذ إن القوم سيقيسون نجاحات الهيئة في تعزيز تنافسية المملكة بتحقيق هذه الغاية التي تتداخل بها عوامل عدة ومن جهات عدة لتحقيقها لا بتحقيق التقدم في مؤشرات التنافسية التي اختارتها الهيئة من بين مئات من المؤشرات الدولية، وهي مؤشر تقرير أداء الأعمال الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية، ومؤشر تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ''الأونكتاد'' للاستثمار الأجنبي المباشر، ومؤشر التنافسية العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي، التي تستخدم كمرجعيات متفق عليها محليا ودوليا لقياس تنافسية البيئات الاستثمارية وصفيا وكميا.
وبالتالي على الهيئة أن تطرح ما هو في حدود قدراتها كمرجعية لقياس مدى نجاحاها في تحسين البيئة الاستثمارية وهي تحقيق تقدم في مؤشرات التنافسية كمعيار أساسي تقاس من خلاله جهود الهيئة، ومن وجهة نظري تواجه تنافسية المملكة الاستثمارية ثلاث مشكلات رئيسة، وهي خلل في الأنظمة والإجراءات المتعلقة بأداء الأعمال يستدعي إصلاحات تتوافق ومعايير الاستثمار العالمي، وخلل في تطبيق الأنظمة الجيد من الأنظمة الحالية والأنظمة التي تم إصلاحها، وخلل في ثقافة التنافسية لدى جميع أطرافها من جهات منظمة وقطاع خاص ووسطاء وصناع فكر ورأي استثماري على وجه الخصوص واقتصادي على وجه العموم، وأعتقد أن دخول المملكة في سباق مؤشر تقرير أداء الأعمال بداية جيدة لمعالجة هذه الاختلالات الثلاثة، وهي اختلالات متلازمة ومتأثرة بمتغيرات أخرى بكل تأكيد.
البعض وبصفته الإنسانية؛ فالنفوس قد جبلت على حب العاجلة، يرى أن مؤشر أداء الأعمال لا يعكس تنافسية بيئة المملكة الاستثمارية، وأن التقدم في هذا المؤشر للمركز الحادي عشر هذا العام ليس بنجاح ذي قيمة؛ إذ إن هذا التقدم ما هو إلا تقدم نظري لا يعكس تنافسية البيئة الاستثمارية السعودية ونتائجه على أرض الواقع، وأقول قد يكون في هذا شيء من الصحة إذا كنا نريد أن نغير النواميس الكونية ونحرق المراحل لنضعها في مرحلة واحدة، حيث نجري الإصلاحات على الأنظمة والإجراءات دفعة واحدة دون متطلباتها وبالإجبار لا الإقناع نلزم الموظفين بتطبيقها بكفاءة عالية من اليوم الأول لصدورها ونغير ثقافة المجتمع ليكون أفراده على قناعة راسخة بأن التنافسية، سواء تنافسية البيئة الاستثمارية أو المؤسسات أو الموارد، خصوصا البشرية هي السبيل الأمثل للاندماج في الاقتصاد العالمي لاغتنام فرصه وتجتنب مخاطره وتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.
وأقول إن التنافسية التي تكمن أهميتها في تعظيم الاستفادة ما أمكن من الميزات التي يوفرها الاقتصاد العالمي والتقليل من سلبياته لتحقيق نمو اقتصادي أعلى من النمو السكاني لا يمكن أن تتحقق بين يوم وليلة ولا يمكن أن تتحقق بالقفز على المراحل؛ ذلك أنها تحتاج إلى نفس طويل حتى تتحول لثقافة مجتمعية تنعكس آثارها على جميع المفاصل والمؤشرات الاقتصادية، خصوصا مؤشر إجمالي الناتج المحلي الذي يبين بدقه فيما إذا كنا لا نزال دولة تعتمد في اقتصادها على النفط كمصدر رئيس للإيرادات أو أننا استطعنا تنويع مصادر إيراداتنا.
ختاما: أود أن أؤكد أننا ولكي نطور تنافسيتنا فإننا أمام خيارين لا ثالث لهما: الأول أن نستخدم المؤشرات الدولية المتعارف عليها والمقبولة بشكل كبير، كما هو حال مؤشر سهولة أداء الأعمال الذي توظفه 183 دولة ونطور بيئتنا على أساسها كمرجعيات، والثاني أننا نرجع إلى جدلياتنا المعهودة حيال فعالية أنظمتنا وإجراءاتنا دون مرجعيات، وأجزم أن الخيار الأول هو خيار من يريد أن يعمل وينتج ويطور ،أما الخيار الثاني فهو خيار عاطفي يتبعه بالعادة من يريد أن يتكاسل ويسوّف ويماطل دون نتيجة تذكر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي