رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السعودة تبدأ بتحفيز المواطن للعمل في القطاع الخاص لا فرضها على رب العمل

لعل اختيار المهندس عادل فقيه وزيرا للعمل، وهو من المخضرمين في القطاع الخاص، يساعد على ردم الهوة بين متطلبات القطاع الخاص واستراتيجية السعودة؛ فالوزير يعرف كيف يفكّر التاجر، كما يعرف الوزير التحديات التي تواجهها وزارته من محدودية دورها في سعودة القطاع الخاص. المحفزات أو التشريعات التي عملتها وزارة العمل مشكورة لدعم السعودة تصب في مجملها على أنها محفزات من أجل إجبار التاجر على توظيف السعوديين وليس من أجل ترغيب السعودي في العمل في القطاع الخاص؛ لذا على وزارة العمل أن تغير دورها الأبوي من الإمساك بيد السعودي ودفعه بقوة النظام للعمل في القطاع الخاص وإجبار التاجر على تعيين السعودي بقوة النظام إلى دور المحفز للسعوديين للعمل في القطاع الخاص. الواقع المشاهد أن السعودي لا يفضل العمل في القطاع الخاص، كما أن رب العمل لا يريد توظيفه، وهو الوصف الذي ذكره الدكتور غازي القصيبي ـــ رحمه الله ـــ عندما قال إن الوزارة تريد توظيف من لا يريد الوظيفة إلى من لا يريد توظيفه.
ويؤكد هذه الحقيقة أن الأغلبية العظمى من السعوديين، حسب الاستفتاء الذي عملته جريدة "الرياض" قبل فترة ليست بالطويلة، تفضل العمل في القطاع الحكومي على حساب القطاع الخاص، فالصعوبات التي يواجهها السعوديون للعمل في القطاع الخاص كبيرة لأسباب عديدة، منها حداثة تجربة القطاع الخاص وعدم نضج القطاع الخاص بالدرجة الكافية وتمكن العمالة غير السعودية من مفاصل الوظائف الأساسية. طول ساعات العمل وضعف الأمن الوظيفي والمعاملة السيئة التي قد يواجها السعوديون في القطاع الخاص جزء من معاناة السعوديين العاملين في القطاع الخاص.
لذا، لن تنجح وزارة العمل في دعم خطط السعودة، إلا إذا نجحت في قلب هرم تفضيل العمل في القطاع الحكومي إلى تفضيل العمل في القطاع الخاص على حساب القطاع الحكومي، فعلى طالب العمل المتميز أن يختار القطاع الخاص كأولوية بدلا من اختيار العمل في القطاع الحكومي .. لكن السؤال الحرج والمهم: كيف نحقق هذه المعادلة المعقدة؟
علينا أولا أن نقر بأن ما يشترك فيه العاملون في القطاع الخاص مرجعان رئيسان: الأول: نظام العمل والعمال، والآخر: نظام التأمينات الاجتماعية المقدم عبر المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، فأي دعم لهذين النظامين دعم للسعودة، فنظام العمل لا يستطيع أن يكفل جميع حقوق العامل في القطاع الخاص، فمثلا لا يستطيع نظام العمل أن يجبر رب العمل على عدم فصل السعودي؛ لأن المصطلح الذي يمكن أن يفصل به السعودي هو عدم تجديد عقده السنوي لا الفصل كما هو معلوم؛ لذا فإن التركيز على زيادة مميزات التأمينات الاجتماعية يعتبر الحاضن لكل السعوديين العاملين في القطاع الخاص، خصوصا أن أعداد السعوديين المقبلين على سوق العمل كبير جدا. بالأمس القريب استقبلنا الدفعة الأولى من خريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، فالمرحلة التي نعيشها تتطلب منا أن نرغّب الشباب في العمل في القطاع الخاص، ولا شك أن زيادة مميزات التأمينات الاجتماعية من أهم هذه المحفزات ودعم مباشر وحقيقي للسعودة والسعوديين.
العمل في القطاع الخاص يجب أن يكون في عقلية السعودي أفضل من مميزات العمل في القطاع الحكومي، لكن لا توجد وسيلة لتحقيق هذا الهدف إلا عبر زيادة مميزات التأمينات الاجتماعية على شكل بدلات (معونات مادية) تقدمها وزارة المالية للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. هذه المعونات تمكّن مؤسسة التأمينات الاجتماعية من زيادة مميزات العاملين في القطاع الخاص. السعودي يجب أن يشعر بأن مميزات التأمينات الاجتماعية أفضل من مميزات المؤسسة العامة للتقاعد سواء على المدى القصير أو الطويل.
على المدى القصير يجب أن تتولى وزارة المالية تقليل تكلفة السعودي على رب العمل عبر صندوق (يمكن أن يسمَّى صندوق السعودة) يوضع لهذا الغرض بحيث يكون هذا الصندوق بديلا لصندوق الموارد البشرية الذي لم يحقق نجاحا يوازي ميزانيته الضخمة. كما يجب أن يكون لهذا الصندوق دور في تقديم تسهيلات وقروض تمكن السعوديين من تملك منزل العمر.
أما على المدى الطويل، فيجب أن تقلل فترة التقاعد المبكر إلى 20 سنة من أجل أن يشعر طالب العمل بأن عليه العمل بجد ولفترة 20 سنة فقط وقتها يمكنه تحقيق الأمان الوظيفي في حال ـــ لا سمح الله ـــ تعرَّض لفصل تعسفي أو تعرَّضت الشركة للإفلاس، فإن لديه دخلا ثابتا يساعده على الوفاء بالتزاماته الأسرية والاجتماعية، خصوصا أن الالتزامات الأسرية والمادية للعمال في هذا العمر كبيرة.
الإحصائيات تدل على أن نسبة العاطلين تزداد سنة بعد أخرى على الرغم من الحلول التي تتصدى لهذه المشكلة، وتشير هذه الإحصائيات كذلك إلى أن أعلى نسبة للعاطلين السعوديين هم من الحاصلين على شهادة البكالوريوس وذلك بنسبة تقدر بـ 45 في المائة، يليهم الحاصلون على شهادة الثانوية العامة بنسبة تقدر بـ 25 في المائة. أما الإناث فإن الحاصلات على شهادة البكالوريوس يمثلن أعلى نسبة من بين العاطلات السعوديات، حيث بلغت نسبتهن أكثر من 77 في المائة، تليهن الحاصلات على الشهادة دبلوم دون الجامعة بنسبة تقدر بـ 12 في المائة. كما نجد في الجانب المقابل أن الحاصلين على شهادات: البكالوريوس والماجستير والدكتوراه لا يتجاوزون 6 في المائة من إجمالي العاملين في القطاع الخاص من غير السعوديين. ولعل ربط هاتين الإحصائيتين يدل على أن المشكلة ليست مؤهلا علميا مفقودا لدى السعوديين، لكن تقبل العمل الذي يضمن لهم حياة كريمة هو المفقود. كما أن اشتراط حد أدنى للأجور محور آخر يضمن توفير الحياة الكريمة لطالب العمل في القطاع الخاص. الحياة الكريمة تبدأ بتوافر المنزل والصحة وتنتهي بالأمن المالي الذي يمكن تحقيقه عبر العمل لسنوات محدودة، يمكنه بعدها أن يستفيد من هذه الخبرة في تأسيس عمله الخاص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي