المواطن بين قسط الصندوق العقاري وفوائد البنوك
طرحت "الاقتصادية" الأسبوع الماضي للنقاش قرار إلغاء شرط تملك الأرض عند تقديم طلب قرض من صندوق التنمية العقارية، وتوحيد مبلغ القرض المقدم للمواطنين في مختلف مناطق المملكة بـ 300 ألف ريال وقيام الصندوق بوضع آلية للتعاون مع المؤسسات المالية التجارية لمنح تمويل إضافي لمن يرغب من المقترضين.
وقيام الصحافة باستطلاع الرأي العام حول القرارات التي تمس حياة الناس يدل على أنها بدأت تؤدي دورها وبدأت تدرك أن أي عمل يصدر من أي جهة أو لجنة أو مجلس يظل اجتهادا بشريا يحتاج إلى تقييم. كما أن قياس أثر وصدى القرارات لدى شرائح المستفيدين يفيد متخذي القرارات الاستراتيجية، ومعدي القرارات التكتيكية، والقائمين بالأعمال التشغيلية. ومقالي لهذا الأسبوع يعد تفاعلا مع هذا العمل ومشاركة متواضعة لما طرحته "الاقتصادية".
في البداية يجب ألا ننكر إنجازات الصندوق في حقبة زمنية مضت، فقد أسهم بالفعل في التنمية العمرانية والقفزة الحضارية التي يعيشها شعب المملكة وقدم الكثير للمواطنين وهم يذكرون عندما كانوا يقطنون الدور المتواضعة والمنازل الشعبية في وسط المدن وضواحيها فآواهم الصندوق بعد الله ومكنهم من امتلاك منازل كالقصور، بل إن البعض لم يقتصر على السكن فقد تجاوزه إلى الاستفادة من القرض في الاستثمار العقاري عندما كانت الأسعار في متناول الجميع. ورغم كل هذه الإنجازات وكل هذا العمل الجبار إلا أن هناك عدة أمور يجب الوقوف عندها والغور في أعماقها لتصحيح عمل الصندوق وجعله أدنى إلى الكمال، ولتوضيح وجهة نظري سأركز مشاركتي في نقطتين اثنتين لا ثالث لهما.
النقطة الأولى: طالما أنه تم إلغاء شرط الأرض عند تقديم طلب القرض، كيف سيكون وضع المواطن إذا حان دوره في الصندوق ولم يجد الأرض ليبني عليها بيت العمر؟ فغالبية الذين سيقدمون أوراقهم للصندوق بعد التعديلات الأخيرة هم الذين لم يستطيعوا توفير شرط الأرض في السابق. وهنا يظهر استفسار آخر وهو: لو تمكن المواطن من الظفر بقطعة أرض وكانت بعيدة عن الأحياء السكنية تقبع في أطراف المدن وفي المناطق النائية البعيدة عن العمران ولم تصلها الخدمات بعد، فهل سيوافق الصندوق ويصرف القرض؟ ولو وافق على كل ذلك وتمكن المواطن من الأرض ومن القرض اكتمل البناء ولم تصل الكهرباء ولا الماء، فهل سيبدأ المواطن في دفع أقساط القرض وهو لم يسكن بعد؟
النقطة الثانية: نحن نعلم أن مبلغ 300 ألف ريال لن يقيم منزلا بمواصفات وشروط الأمانات والبلديات، وقد تم تدارك هذا الأمر بالموافقة على الاستعانة بالمؤسسات المالية التجارية. ولكن ماذا يقصد بقيام الصندوق بوضع آلية للتعاون مع المؤسسات المالية التجارية لمنح تمويل إضافي لمن يرغب من المواطنين؟ هل يقصد التعاون مع البنوك التجارية، أم المؤسسات المالية الأخرى من غير البنوك؟ وما قيمة هذا القرض الداعم؟ هل يساوي قرض الصندوق (300 ألف ريال) أم أقل أم أكثر؟ وهل سيدفع الصندوق تكاليف القرض الجديد، فالبنوك التجارية لن تقدم قروضا دون فوائد؟ والمهم من كل هذا هل يعلم الصندوق أن غالبية المواطنين مدينون لهذه المؤسسات المالية لتمويل حاجات استهلاكية من شراء سيارة أو تأثيث منزل أو نحوهما وثلث رواتبهم تصب في حسابات البنوك، فكيف يمكن أن يقترضوا مرة أخرى لمشروع استراتيجي من أجل بناء منزل وهم في الأصل مدينون؟ وأخيرا كيف يتمكن المواطن من دفع أقساط الصندوق وفوائد القروض في آن واحد؟
ولتوضيح هذه النقطة دعونا نضرب مثالا. لو افترضنا أن مواطنا يتقاضى راتبا شهريا قدره تسعة آلاف ريال، وأراد أن يحقق أمنيته في بناء منزل. وبالفعل حصل على قرض الصندوق وقرض البنك وأكمل البناء فكيف يقوم بسداد القروض بكامل تكاليفها؟ بناء على المستجدات الحالية فإنه سيُستقطع من راتبه ألف ريال شهريا لسداد قرض الصندوق العقاري لمدة 25 عاما، يليه استقطاع ثلث الراتب (ثلاثة آلاف ريال تقريبا) لمؤسسة مالية - بنك أو نحوه - نتيجة حصول المواطن على قرض لسد العجز في قرض الصندوق، ثم يأتي من بعد ذلك استقطاع ثلث آخر من الراتب لسداد قسط القرض الاستهلاكي الذي اقترضه المواطن قبل حصوله على قرض الصندوق والقرض الداعم، وبذا فإن المواطن سيدفع طوعا أو كرها سبعة آلاف ريال شهريا من راتبه البالغ تسعة آلاف ريال ويبقى له ألفا ريال يقتات بها إلى نهاية الشهر وسيبقى على هذا الوضع 25 عاما.
وهنا تستوقفني العلاقة المحتملة بين الصندوق والبنوك، فنحن نرى بداية تزاوج بين الصندوق العقاري والمؤسسات المالية التجارية الأخرى، وهذه العلاقة لا أظنها ستصب في مصلحة المواطن لأن الصندوق يعمل بآلية تختلف جذريا عن آلية عمل البنوك، وأخشى إن رأى الصندوق طريقة عمل البنوك وآليتها في إدارة واستثمار الأموال وجني الأرباح الفلكية فتسيل لعابه ويندم على الـ 30 عاماً الماضية التي قضاها في تقديم القروض للمواطنين دون فوائد بل وصل به الأمر أن يرد 20 في المائة من قيمة القرض للمستفيد إذا سدد القرض قبل موعده؟ نخشى أن ينهج الصندوق نهج البنوك في إدارته الأموال فيتناسى مهمته الأساسية المتمثلة في تقديم دعم للناس على شكل قروض وهي سمة عمل المؤسسات الحكومية في الدول التي تسعى إلى تحقيق الرفاهية الاجتماعية لشعوبها كما هو الحال في بلادنا.
وهنا يجب أن أتوقف، ولي عودة لهذا الموضوع - إن تجاوزت "الاقتصادية" عن مقالي هذا - أقدم من خلالها بعض المقترحات المتواضعة التي أتمنى أن يدرسها الصندوق مع جملة المقترحات التي قدمها المواطنون عند تعليقهم حول الموضوع ذاته في صحيفة "الاقتصادية الإلكترونية" الأسبوع الماضي وترفع على شكل توصيات إلى جهات الاختصاص حتى يهذب عمل الصندوق ويؤدي دوره المنوط به على أكمل وجه.