عضوية الهيئات في zawya تنافس قائمة الأثرياء في forbes
لم يعد الأثرياء الوحيدون في حلبة المنافسة للمراكز المتقدمة, حسب مجلة ''فوربس'' forbes, بل أصبحت العضوية في الهيئات الشرعية هي الأخرى مجالاً للمنافسة للأكثر عضوية في المصارف والبنوك, حسبما كشفت عنه مجلة zawya الصادرة من دبي (وهي شركة متخصصة في مجال معلومات وتكنولوجيا الأعمال على مستوى الشرق الأوسط)، حيث أطلت علينا قبل شهر تقريبا (26/10/1431هـ) بقائمة من أعضاء الهيئات الشرعية المشاهير, وقد حظي أحد الأعضاء بعضوية 78 هيئة شرعية، وحظي الثاني بعضوية 76 هيئة شرعية، وحظي الثالث بعضوية 70 هيئة شرعية..! وهكذا في قائمة تضم 12 عضوا, هم الأكثر حضوراً في الهيئات الشرعية في العالم, والمتأمل لهؤلاء الأعضاء يجد أن أسماءهم مكررة في أغلب هذه الهيئات, فصاحب عضوية 78 هيئة, هو عضو في البحرين في 28 هيئة شرعية, وعضو في الإمارات في 15 هيئة شرعية, وعضو في قطر في ست هيئات شرعية, وعضو في بلدان متفرقة في 28 هيئة شرعية. أما صاحب عضوية 76 هيئة, فهو عضو في الإمارات في 18 هيئة شرعية, وعضو في البحرين في 15 هيئة شرعية, وعضو في السعودية في سبع هيئات شرعية, وعضو في الكويت في سبع هيئات شرعية, وعضو في بلدان متفرقة في 29 هيئة شرعية. وأحد الأعضاء المشاهير هو عضو في السعودية في 28 هيئة شرعية, وآخر عضو ففي السعودية في 27 هيئة شرعية, حسبما كشفت عنه المجلة..!! ولا أدري كم يملك هؤلاء الأعضاء من الوقت لينظروا في كل منتجات هذه البنوك والمصارف..! وهكذا أعضاء آخرون منتشرون ومكررون في أغلب الهيئات الشرعية, وهنا أتساءل: هل ما يصدره هؤلاء المشايخ الفضلاء من فتاوى وقرارات هو رأي الشرع فعلا في المصرفية الإسلامية..؟ بطبيعة الحال: لا يلزم ذلك, فقد يصيب عضو الهيئة رأي الشرع, وقد لا يصيبه, حسبما يؤدي إليه اجتهاده, وهو إن أصاب فله أجران, وإن أخطأ فله أجر واحد, طبعاً إن كان متأهلاً للاجتهاد في المسألة, وإلا فاته الأجر, وتحمل الوزر.
لقد انحصرت عضوية الهيئات الشرعية في أسماء محددة, مما جعل أي أخطاء في الاجتهاد تتكرر بحجم تكرار الأسماء..! وأصبح كل خطأ يقع فيه أعضاء هذه الهيئات يجير ضد المصرفية الإسلامية, وهذا أخطر ما في الموضوع, فليست الخطورة في استئثارهم بمكافآت العضوية, ولا بملء الأرصدة البنكية بعوائد القرارات الشرعية, كلا, إذ لا خطورة في ذلك, بل نسأل الله لهم المزيد من فضله, وأن يعينهم على أداء عملهم على الوجه الأكمل, إذن ليست الخطورة في ذلك كله, ولكن الخطورة في أن أي مزلق لهؤلاء المشايخ في الحيل, يعني بكل بساطة تشويه المصرفية الإسلامية برمتها, وهذا يفسر لنا سر وجود صكوك إسلامية بنسبة 85 في المائة من الصكوك المطروحة في السوق, وهي لا تمثل الصكوك الإسلامية فعلا (حسب تصريح أحد مشاهير أعضاء الهيئات الشرعية في حينه), كما يكشف لنا سر وجود التورق المصرفي المنظم في أغلب النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية, في الوقت الذي تبنت فيه المجامع الفقهية قراراً بتحريمه, والسر هنا أن الذي يملك قرار الجواز في أغلب الهيئات الشرعية هم أولئك الأعضاء المشاهير. وهكذا فتوى جواز الإلزام بالوعد التي تبنتها النوافذ الإسلامية في البنوك, والذي سماه أحد الفقهاء المعاصرين بمجزرة الوعد الملزم.
إننا لا نريد أن تصاب المصرفية الإسلامية بمجزرة, كما أصيبت الرأسمالية, ولهذا فإن أي مجزرة من ذلك النوع ستكون مدوية, ومؤذية بالمرة, والمشكلة أنه لن يتأذى الأعضاء المقننون للحيل بقدر ما ستتأذى المصرفية الإسلامية ذاتها, حيث يظن كثير من عوام المسلمين وغير المسلمين أن انهيارها أو فشلها يعني فشل الاقتصاد الإسلامي, كما هي النظرة السطحية لكثيرين, ممن لا يدركون الفرق بين فتاوى وقرارات الأعضاء المصرفيين الإسلاميين, وبين مصرفية الاقتصاد الإسلامي, فالأولى مصدرها فتوى المخلوق, والثانية مصدرها تشريع الخالق.
إن ما يدور الآن من نقد داخل المصرفية الإسلامية, وبين الفقهاء أنفسهم, وتحذير بعضهم البعض لما تصطبغ به ''بعض'' الهيئات الشرعية من طابع الحيل, هو حالة صحية, ينبغي أن تستمر ولو بصوت مسموع, لئلا تكون المجاملات البينية سبباً في غمس المصرفية الإسلامية في فخ المعاملات البنكية التقليدية, كما هو واقع فعلا في بعض قراراتها, كقرار تجويز التورق المنظم, والوعد الملزم, والاستثمار المباشر, إلا أن النقد ينبغي أن يكون بناء, ويستهدف الفكرة, لا صاحبها, وأن ينطلق من منطلقات علمية, لا شخصية, وفي نظري أن النقد يظل حالة صحية مادام من متخصصين في هذا المجال, فالمسألة أصبحت مصيرا بالنسبة للمصرفية الإسلامية, والسكوت أو المجاملة عن قرارات تشطح يمنة أو يسرة لا يخدم المصلحة العامة, ولا النظام العام.
ولا أظن اثنين يختلفان في أن المصلحة العامة تقتضي اليوم أن تكون هناك هيئة شرعية واحدة مستقلة, بقاعد عريضة من المتخصصين, وآمل أن يكون للهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل قصب السبق في تصحيح مسار قرارات الهيئات الشرعية, وأن يكون التصحيح جزءا من استراتيجية الهيئة للعام القادم.